للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يُعْذَرُ فِيهِ، كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

هَذَا فِيمَنْ جُنُونُهُ بِذَهَابِ مَعْرِفَتِهِ بِالْكُلِّيَّةِ فَأَمَّا الْمُبَرْسَمُ وَمَنْ بِهِ نِشَافٌ، فَلَا يَقَعُ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": أَنَّ الْمُبَرْسَمَ وَالْمُوَسْوَسَ إِنْ عَقَلَ الطَّلَاقَ لَزِمَهُ، وَيَدْخُلُ فِي كَلَامِهِمْ: مَنْ غَضِبَ حَتَّى أُغْمِيَ أَوْ غُشِّيَ عَلَيْهِ. قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: بِلَا رَيْبٍ، وَيَقَعُ مِنْ غَيْرِهِ فِي ظَاهِرِ كَلَامِهِمْ؛ لِأَنَّ «أَبَا مُوسَى أَتَى النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَسْتَحْمِلُهُ، فَوَجَدَهُ غَضْبَانَ، وَحَلَفَ: لَا يَحْمِلُهُمْ، وَكَفَّرَ. . .» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّهُ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ؛ وَلِأَنَّهُ مِنْ بَاطِنٍ كَالْمُحِبَّةِ الْحَامِلَةِ عَلَى الزِّنَا، وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: إِنْ غَيَّرَهُ وَلَمْ يَزُلْ عَقْلُهُ لَمْ يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ أَلْجَأَهُ وَحَمَلَهُ عَلَيْهِ، فَأَوْقَعَهُ - وَهُوَ يَكْرَهُهُ - لِيَسْتَرِيحَ مِنْهُ، فَلَمْ يَبْقَ لَهُ قَصْدٌ صَحِيحٌ، فَهُوَ كَالْمُكْرَهِ؛ وَلِهَذَا لَا يُجَابُ دُعَاؤُهُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَالِهِ، وَلَا يَلْزَمُهُ نَذْرُ الطَّاعَةِ فِيهِ، وَفِي صِحَّةِ حُكْمِهِ الْخِلَافُ، وَإِنَّمَا انْعَقَدَتْ يَمِينُهُ؛ لِأَنَّ ضَرَرَهَا يَزُولُ بِالْكَفَّارَةِ، وَهَذَا إِتْلَافٌ.

فَرْعٌ: لَوِ ادَّعَى أَنَّهُ طَلَّقَ وَهُوَ زَائِلُ الْعَقْلِ، يَنْبَنِي عَلَى مَا إِذَا أَقَرَّ وَهُوَ مَجْنُونٌ، هَلْ يَقْبَلُ؛ وَفِيهِ ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ، ثَالِثُهَا: يَقْبَلُ إِنْ كَانَ مِمَّنْ غَلَبَ وُجُودُهُ مِنْهُ.

(وَإِنْ زَالَ بِسَبَبٍ لَا يُعْذَرُ فِيهِ، كَالسَّكْرَانِ، وَمَنْ شَرِبَ مَا يُزِيلُ عَقْلَهُ لِغَيْرِ حَاجَةٍ، فَفِي صِحَّةِ طَلَاقِهِ رِوَايَتَانِ) إِحْدَاهُمَا: يَقَعُ، قَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُهُمَا، اخْتَارَهَا الْخَلَّالُ وَالْقَاضِي وَالْأَكْثَرُ؛ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ: كُلُّ الطَّلَاقِ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَعْتُوهِ. وَقَالَ مُعَاوِيَةُ: كُلُّ أَحَدٍ طَلَّقَ امْرَأَتَهُ جَائِزٌ إِلَّا طَلَاقَ الْمَجْنُونِ. رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ بِإِسْنَادٍ حَسَنٍ؛ وَلِأَنَّ الصَّحَابَةَ جَعَلُوهُ كَالصَّاحِي فِي الْحَدِّ بِالْقَذْفِ، وَقَالَ عَلِيٌّ بِمَحْضَرٍ مِنْ عُمَرَ وَغَيْرِهِ: نَرَاهُ إِذَا سَكِرَ هَذَى، وَإِذَا هَذَى افْتَرَى، وَعَلَى الْمُفْتَرِي ثَمَانُونَ. رَوَاهُ مَالِكٌ بِإِسْنَادٍ جَيِّدٍ؛ وَلِأَنَّهُ مُكَلَّفٌ، فَوَقَعَ طَلَاقُهُ كَالصَّاحِي، بِدَلِيلِ الْقَتْلِ وَالْقَطْعِ فِي السَّرِقَةِ.

وَالثَّانِيَةُ: لَا يَقَعُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ وَالْمُؤَلِّفُ، وَرَجَّحَهُ فِي " الشَّرْحِ "، وَالشَّيْخُ تَقِيُّ

<<  <  ج: ص:  >  >>