للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بَائِنَةٌ، وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ، فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةٌ، وَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ نَحْوُ: كُلِي، وَاشْرَبِي، وَاقْعُدِي، وَاقْرَبِي، وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، وَأَنْتَ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ - فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ، وَإِنْ نَوَى، وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ، فَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ بَائِنٌ أَوْ حَرَامٌ، فَهَلْ هُوَ كِنَايَةٌ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

فَرْعٌ: إِذَا قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ بَائِنٌ، أَوِ الْبَتَّةَ، أو بِلَا رَجْعَةٍ، فَالْخِلَافُ السَّابِقُ ذَكَرَهُ مُعْظَمُ الْأَصْحَابِ، زَادَ فِي " الشَّرْحِ ": أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إِلَى نِيَّةٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ بِهَا الطَّلَاقَ الصَّرِيحَ، فَإِنْ قَالَ: أَنْتِ وَاحِدَةً بَائِنَةً أَوْ بَتَّةَ، فَرَجْعِيَّةٌ، وَعَنْهُ: بَائِنَةٌ، وَعَنْهُ: ثَلَاثٌ، كَأَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً ثَلَاثًا، وَفِي " الْفُصُولِ " عَنْ أَبِي بَكْرٍ فِي " أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَاحِدَةً ": تَقَعُ وَاحِدَةً؛ لِأَنَّهُ وَصَفَ الْوَاحِدَةَ بِالثَّلَاثِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَصَفَ الثَّلَاثَ بِالْوَاحِدَةِ، فَوَقَعَتِ الثَّلَاثُ، وَلَغَا الْوَصْفَ.

(وَيَقَعُ بِالْخَفِيَّةِ مَا نَوَاهُ) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا دَلَالَةَ لَهُ عَلَى الْعَدَدِ، وَالْخَفِيَّةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَى الظَّاهِرَةِ، فَوَجَبَ اعْتِبَارُ النِّيَّةِ، وَيَكُونُ الْوَاقِعُ رَجْعِيًّا فِيمَا إِذَا نَوَاهَا، وَإِنْ نَوَى أَكْثَرَ فِي غَيْرِ: أَنْتِ وَاحِدَةٌ، قَالَهُ الْقَاضِي وَالْمُؤَلِّفُ، وَقَعَ (فَإِنْ لَمْ يَنْوِ عَدَدًا، وَقَعَ وَاحِدَةً) ؛ لِأَنَّهَا الْيَقِينُ (وَأَمَّا مَا لَا يَدُلُّ عَلَى الطَّلَاقِ - نَحْوَ: كُلِي، وَاشْرَبِي، وَاقْعُدِي، وَاقْرَبِي، وَبَارَكَ اللَّهُ فِيكِ، وَأَنْتِ مَلِيحَةٌ أَوْ قَبِيحَةٌ - فَلَا يَقَعُ بِهَا طَلَاقٌ) ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِكِنَايَةٍ (وَإِنْ نَوَى) ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ لَا يُحْتَمَلُ الطَّلَاقُ فِيهِ، فَلَوْ وَقَعَ بِهِ الطَّلَاقُ وَقَعَ بِمُجَرَّدِ النِّيَّةِ.

وَقِيلَ: كُلِي وَاشْرَبِي كِنَايَةٌ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ: كُلِي أَلَمَ الطَّلَاقِ، وَاشْرَبِي كَأْسَ الْفِرَاقِ، فَوَقَعَ كَتَجَرَّعِي، وَجَوَابُهُ: أَنَّ اللَّفْظَ لَا يُسْتَعْمَلُ إِلَّا فِيمَا لَا ضَرَرَ فِيهِ، نَحْوَ قَوْله تَعَالَى: {كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا} [الحاقة: ٢٤] {فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤] فَلَمْ تَكُنْ كِنَايَةً، وَفَارَقَ تَجَرَّعِي وَذُوقِي، فَإِنَّهُ يُسْتَعْمَلُ فِي الْمَكَارِهِ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ} [الدخان: ٤٩] (وَكَذَا قَوْلُهُ: أَنَا طَالِقٌ) ؛ لِأَنَّ الزَّوْجَ لَيْسَ مَحَلًّا لِلطَّلَاقِ.

(فَإِنْ قَالَ: أَنَا مِنْكِ طَالِقٌ، فَكَذَلِكَ) أَيْ: لَا تُطَلَّقُ زَوْجَتُهُ، نَصَّ عَلَيْهِ فِي رِوَايَةِ الْأَثْرَمِ، وَقَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ، رَوَاهُ أَبُو عُبَيْدٍ وَالْأَثْرَمُ؛ وَلِأَنَّ الرَّجُلَ مَالِكٌ فِي النِّكَاحِ، وَالْمَرْأَةُ مَمْلُوكَةٌ، فَلَمْ يَقَعْ بِإِضَافَةِ الْإِزَالَةِ إِلَى الْمَالِكِ كَالْعِتْقِ (وَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ كِنَايَةٌ) تُطَلَّقُ بِهِ بِالنِّيَّةِ، رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ؛ لِأَنَّ الطَّلَاقَ إِزَالَةُ النِّكَاحِ، وَهُوَ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمَا، فَإِذَا صَحَّ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>