وَنَوَى الثَّلَاثَ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ، وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا، وَالْأُخْرَى: وَاحِدَةٌ، وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةٌ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
(فَإِذَا قَالَ: أَنْتِ الطَّلَاقُ، أَوِ الطَّلَاقُ لِي لَازِمٌ) أَوِ الطَّلَاقُ يَلْزَمُنِي، أَوْ عَلَيَّ الطَّلَاقُ، أَوْ أَنْتِ طَالِقٌ الطَّلَاقَ، أَوْ يَلْزَمُنِي الطَّلَاقُ (وَنَوَى الثَّلَاثَ - طُلِّقَتْ ثَلَاثًا) ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ صَرِيحٌ فِي الْمَنْصُوصِ؛ لِأَنَّهُ لَفْظٌ بِالطَّلَاقِ، وَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي عُرْفِهِمْ، قَالَ الشَّاعِرُ:
أَنَوَّهْتِ بِاسْمِي فِي الْعَالَمِينَ ... وَأَفْنَيْتُ عُمْرِي عَامًا فَعَامًّا
فَأَنْتِ الطَّلَاقُ وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ... وَأَنْتِ الطَّلَاقُ ثَلَاثًا تَمَامًا
وَقِيلَ: لَيْسَ بِصَرِيحٍ؛ لِأَنَّهُ وَصَفَهَا فِي قَوْلِهِ: أَنْت الطَّلَاقُ بِالْمَصْدَرِ، وَأَخْبَرَ بِهِ عَنْهَا، وَهُوَ تَجَوُّزٌ وَالْبَاقِي كَذَلِكَ؛ لِأَنَّ مَنْ كَثُرَ مِنْهُ شَيْءٌ يَضُرُّهُ فَهُوَ عَلَيْهِ كَالدَّيْنِ، قُلْتُ: وَقَدِ اشْتَهَرَ اسْتِعْمَالُهُ فِي الْإِيقَاعِ، فَكَانَ صَرِيحًا، وَسَوَاءٌ كَانَ مُنْجَزًا أَوْ مُعَلَّقًا بِشَرْطٍ أَوْ مَحْلُوفًا بِهِ (وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا) فَعَنْهُ: يَقَعُ ثَلَاثٌ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَفِي " الرَّوْضَةِ ": هُوَ قَوْلُ جُمْهُورِ الْأَصْحَابِ؛ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَاللَّامَ لِلِاسْتِغْرَاقِ، فَيَقْتَضِي اسْتِغْرَاقَ الْكُلِّ وَهُوَ الثَّلَاثُ، وَالثَّانِيَةُ: وَاحِدَةٌ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي ": وَهِيَ الْأَشْبَهُ؛ لِأَنَّهُ الْيَقِينُ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ تُسْتَعْمَلَانِ لِغَيْرِ الِاسْتِغْرَاقِ كَثِيرًا؛ وَلِأَنَّ أَهْلَ الْعُرْفِ لَا يَعْتَقِدُونَهُ ثَلَاثًا، وَلَا يَفْهَمُونَ أَنَّهُمَا لِلِاسْتِغْرَاقِ.
فَرْعٌ: إِذَا كَانَ لَهُ أَكْثَرُ مِنِ امْرَأَةٍ، وَثَمَّ نِيَّةٌ أَوْ سَبَبٌ يَقْتَضِي تَعْمِيمًا أَوْ تَخْصِيصًا عُمِلَ بِهِ، وَإِلَّا وَقَعَ بِالْكُلِّ، وَقِيلَ: بِوَاحِدَةٍ بِقُرْعَةٍ (أَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَنَوَى الثَّلَاثَ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ، إِحْدَاهُمَا: تُطَلَّقُ ثَلَاثًا) اخْتَارَهَا جَمْعٌ؛ لِأَنَّهُ نَوَى بِلَفْظِهِ مَا يَحْتَمِلُهُ، فَوَقَعَ، كَقَوْلِهِ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا؛ وَلِأَنَّ طَالِقٌ اسْمُ فَاعِلٍ، وَهُوَ يَقْتَضِي الْمَصْدَرَ كَمَا يَقْتَضِيهِ الْفِعْلُ، وَالْمَصْدَرُ يَقَعُ عَلَى الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ (وَالْأُخْرَى وَاحِدَةٌ) وَهِيَ قَوْلُ الْحَسَنِ، وَالثَّوْرِيِّ، وَالْأَوْزَاعِيِّ، وَاخْتَارَهَا أَكْثَرُ الْمُتَقَدِّمِينَ؛ لِأَنَّ هَذَا اللَّفْظَ لَا يَتَضَمَّنُ عَدَدًا وَلَا بَيْنُونَةً، فَلَمْ يَقَعْ بِهِ الثَّلَاثُ؛ وَلِأَنَّ " أَنْتِ طَالِقٌ " إِخْبَارٌ عَنْ صِفَةٍ هِيَ عَلَيْهَا، فَلَمْ يَتَضَمَّنِ الْعَدَدَ كَقَوْلِهِ: حَائِضٌ وَطَاهِرٌ، وَالْأُولَى أَصَحُّ، وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَعَدُّدُهُمَا فِي حَقِّهَا فِي آنٍ وَاحِدٍ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَلَوْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ ثَلَاثًا وَنَوَى وَاحِدَةً، فَهِيَ ثَلَاثٌ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ؛ لِأَنَّ اللَّفْظَ صَرِيحٌ فِي الثَّلَاثِ، وَالنِّيَّةُ لَا تُعَارِضُ الصَّرِيحَ؛ لِأَنَّهَا أَضْعَفُ.
(وَإِنْ قَالَ: أَنْتِ طَالِقٌ وَاحِدَةً وَنَوَى ثَلَاثًا - لَمْ تُطَلَّقْ إِلَّا وَاحِدَةٌ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ)
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute