يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ. وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنَّ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عَلَيْهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهِمَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} [لقمان: ١٥] وَمِنَ الْمَعْرُوفِ الْقِيَامُ بِكِفَايَتِهِمَا عِنْدَ حَاجَتِهَا وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «إِنَّ أَطْيَبَ مَا أَكَلْتُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ، وَإِنَّ أَوْلَادَكُمْ مِنْ كَسْبِكُمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ، وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: أَجْمَعَ أَهْلُ الْعِلْمِ أَنَّ نَفَقَةَ الْوَالِدَيْنِ الْفَقِيرَيْنِ اللَّذَيْنِ لَا كَسْبَ لَهُمَا، وَلَا مَالَ - وَاجِبَةٌ فِي مَالِ الْوَلَدِ، وَلِأَنَّ الْإِنْسَانَ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يُنْفِقَ عَلَى نَفْسِهِ وَزَوْجَتِهِ، وَكَذَا عَلَى بَعْضِهِ وَأَصْلِهِ (وَوَلَدِهِ بِالْمَعْرُوفِ) . الْجَارُّ مُتَعَلِّقٌ بِـ " تَجِبُ "، أَوْ بَعْضِهَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ} [الطلاق: ٦] (إِذَا كَانُوا فُقَرَاءَ) أَيْ: لَا مَالَ لَهُمْ، وَلا كَسْبَ يَسْتَعِينُونَ بِهِ عَنْ غَيْرِهِمْ، وَالْكِسْوَةُ وَالسُّكْنَى كَالنَّفَقَةِ. وَشَرْطُهُ الْحُرِّيَّةُ فَمَتَى كَانَ أَحَدُهُمَا رَقِيقًا، فَلَا نَفَقَةَ، قَالَهُ الزَّرْكَشِيُّ، وَجَزَمَ فِي الْخِرَقِيِّ، وَ " الْمُغْنِي " أَنَّ الْوَلَدَ الرَّقِيقَ، لَا نَفَقَةَ لَهُ عَلَى أَبِيهِ، وَإِنْ كَانَ الْأَبُ حُرًّا (وَلَهُ مَا يُنْفِقُ عَلَيْهِمْ فَاضِلًا، عَنْ نَفَقَةِ نَفْسِهِ وَامْرَأَتِهِ) وَرَقِيقِهِ يَوْمَهُ وَلَيْلَتَهُ مِنْ كَسْبِهِ وَأُجْرَةِ مِلْكِهِ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «ابْدَأْ بِنَفْسِكَ، ثُمَّ بِمَنْ تَعُولُ» وَلِأَنَّهَا مُوَاسَاةٌ، فَلَمْ تَجِبْ عَلَى الْمُحْتَاجِ كَالزَّكَاةِ (وَكَذَلِكَ تَلْزَمُهُ نَفَقَةُ سَائِرِ آبَائِهِ، وَإِنْ عَلَوْا وَأَوْلَادِهِ، وَإِنْ سَفَلُوا) فِي قَوْلِ الْجُمْهُورِ لِدُخُولِهِمْ فِي اسْمِ الْآبَاءِ، وَالْأَوْلَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ} [النساء: ١١] فَيَدْخُلُ فِيهِ وَلَدُ الْبَنِينَ، وَقَالَ: {وَلأَبَوَيْهِ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ مِمَّا تَرَكَ إِنْ كَانَ لَهُ وَلَدٌ} [النساء: ١١] وَقَالَ: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ} [الحج: ٧٨] ، وَلِأَنَّ بَيْنَهُمَا قَرَابَةً فَوَجَبَ الْعِتْقُ وَرَدُّ الشَّهَادَةِ، أَشْبَهَ الْوَلَدَ، وَالْوَالِدَيْنِ الْقَرِيبَيْنِ (وَتَلْزَمُهُ نَفَقَةُ كُلِّ مَنْ يَرِثُهُ بِفَرْضٍ، أَوْ تَعْصِيبٍ مِمَّنْ سِوَاهُمْ) ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّ النَّفَقَةَ تَجِبُ عَلَى كُلِّ وَارِثٍ لِمُوَروثِهِ بِشَرْطِ إِرْثِ الْمُنْفِقِ وَغِنَاهُ وَفَقْرِ الْمُنْفَقِ عَلَيْهِ (سَوَاءٌ وِرْثَهُ الْآخَرُ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة: ٢٣٣] أَوْجَبَ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِّ، ثُمَّ عَطَفَ الْوَارِثُ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الِاشْتِرَاكَ فِي الْوُجُوبِ (أَوْ لَا) يَرِثُهُ (كَعَمَّتِهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute