اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ وَلَا تُمْنَعُ هِيَ تَمْرِيضَهُ، وَإِنِ اخْتَارَ أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الصِّنَاعَةَ، وَالْكِتَابَةَ وَيُؤَدِّبَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ، نُقِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إِلَيْهِ، فَإِنْ لَمْ يَخْتَرْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَحْدَهُ، فَيَكُونُ أَبُوهُ أَحَقَّ بِهِ بِلَا تَخْيِيرٍ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَنْصُورُ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «جَاءَتِ امْرَأَةٌ إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَتْ: إِنَّ زَوْجِي يُرِيدُ أَنْ يَذْهَبَ بِابْنِي، وَقَدْ سَقَانِي مِنْ بِئْرِ أَبِي عِنَبَةَ وَنَفَعَنِي، فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: هَذَا أَبُوكَ وَهَذِهِ أُمُّكَ فَخُذْ بِيَدِ أَيِّهِمَا شِئْتَ فَأَخَذَ بِيَدِ أُمِّهِ، فَانْطَلَقَتْ بِهِ» . رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ، وَأَحْمَدُ، وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ، وَلِأَنَّهُ إِذَا مَالَ إِلَى أَحَدِ أَبَوَيْهِ دَلَّ عَلَى أَنَّهُ أَرْفَقُ بِهِ وَأَشْفَقُ عَلَيْهِ، وَقُيِّدَ بِالسَّبْعِ ; لِأَنَّهَا أَوَّلُ حَالٍ أَمَرَ الشَّرْعُ فِيهَا بِمُخَاطَبَتِهِ بِالصَّلَاةِ، بِخِلَافِ الْأُمِّ، فَإِنَّهَا قُدِّمَتْ فِي حَالِ الصِّغَرِ لِحَاجَتِهِ إِلَى حَمْلِهِ وَمُبَاشَرَةِ خِدْمَتِهِ ; لِأَنَّهَا أَعْرَفُ بِذَلِكَ، وَهَذَا إِذَا كَانَا مِنْ أَهْلِ الْحَضَانَةِ، فَإِنْ كَانَا مَعْدُومَيْنِ، أَوْ مِنْ غَيْرِ أَهْلِهَا فَإِلَى امْرَأَةٍ كَأُخْتِهِ، أَوْ عَمَّتِهِ، فَإِنَّهَا تَقُومُ مَقَامَ الْأُمِّ، فَلَوْ بَلَغَ سَبْعَ سِنِينَ غَيْرَ مُمَيِّزٍ، أَوْ خَمْسَ عَشْرَةَ مَعْتُوهًا فَأُمُّهُ، فَلَوْ اخْتَارَ الصَّبِيُّ أَبَاهُ، ثُمَّ زَالَ عَقْلُهُ، رُدَّ إِلَى الْأُمِّ، وَعُلِمَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا حَضَانَةَ عَلَى الْبَالِغِ الرَّشِيدِ، وَيُقِيمُ أَيْنَ شَاءَ وَأَحَبَّ، وَيُسْتَحَبُّ أَلَّا يَنْفَرِدَ عَنْهُمَا، فَأَمَّا الْجَارِيَةُ فَلَيْسَ لَهَا ذَلِكَ وَلِأَبِيهَا مَنْعُهَا مِنْهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهَا أَبٌ قَامَ الْوَلِيُّ مَقَامَهُ (فَإِنِ اخْتَارَ أَبَاهُ كَانَ عِنْدَهُ لَيْلًا وَنَهَارًا، وَلَا يُمْنَعُ مِنْ زِيَارَةِ أُمِّهِ) لِمَا فِيهِ مِنَ الْإِغْرَاءِ بِالْعُقُوقِ، وَقَطِيعَةِ الرَّحِمِ (وَلَا تُمْنَعُ هِيَ تَمْرِيضَهُ) لِأَنَّهُ صَارَ بِالْمَرَضِ كَالصَّغِيرِ فِي الْحَاجَّةِ (وَإِنِ اخْتَارَ أُمَّهُ كَانَ عِنْدَهَا لَيْلًا) لِأَنَّهُ مُسْتَحَقُّ الْحَضَانَةِ (وَعِنْدَ أَبِيهِ نَهَارًا لِيُعَلِّمَهُ الصِّنَاعَةَ، وَالْكِتَابَةَ وَيُؤَدِّبَهُ) لِأَنَّ ذَلِكَ هُوَ الْقَصْدُ مِنْ حِفْظِ الْوَلَدِ (فَإِنْ عَادَ فَاخْتَارَ الْآخَرَ، نُقِلَ إِلَيْهِ، ثُمَّ إِنِ اخْتَارَ الْأَوَّلَ رُدَّ إِلَيْهِ) هَكَذَا أَبَدًا ; لِأَنَّ هَذَا اخْتِيَارُ تَشَهٍّ، وَقَدْ يَشْتَهِي أَحَدَهُمَا فِي وَقْتٍ دُونَ آخَرَ، فَأُتْبِعَ بِمَا يَشْتَهِيهِ، وَقِيلَ: إِنْ أَسْرَفَ تَبَيُّنَ قِلَّةِ تَمْيِيزِهِ أَخَذَتْهُ أُمُّهُ، وَقِيلَ: يُقْرَعُ بَيْنَهُمَا، وَلَا يَقَرُّ بِيَدِ مَنْ لَا يَصُونُهُ وَيُصْلِحُهُ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute