الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ. وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ، وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً. وَلِلْبَاقِينَ حَقُّهُمْ مِنَ الدِّيَةِ عَلَى الْجَانِي، فَإِنْ قَتَلَهُ الْبَاقُونَ عَالِمِينَ بِالْعَفْوِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَيَرْجِعُ وَرَثَةُ الْجَانِي عَلَى قَاتِلِهِ) قَدَّمَهُ فِي " الْمُحَرَّرِ "، وَ " الْفُرُوعِ "، وَجَزَمَ بِهِ فِي " الْوَجِيزِ "، أَيْ: يَجِبُ فِي تَرِكَةِ الْجَانِي كَمَا لَوْ أَتْلَفَهُ أَجْنَبِيٌّ، أَوْ عَفَا شَرِيكُهُ عَنِ الْقِصَاصِ، أَيْ: وَيَأْخُذُ وَارِثُهُ مِنَ الْمُقْتَصِّ الزَّائِدَ عَنْ حَقِّهِ ; لِأَنَّهُ أَتْلَفَ ذَلِكَ بِغَيْرِ حَقٍّ، وَقَوْلُنَا: أَتْلَفَ مَحَلَّ حَقِّهِ - يَبْطُلُ بِمَا إِذَا أَتْلَفَ مُسْتَأْجِرُهُ، أَوْ غَرِيمُهُ، وَيُفَارِقُ الْوَدِيعَةَ، فَإِنَّهَا مَمْلُوكَةٌ لَهُمَا فَوَجَبَ عِوَضُ مِلْكِهِ، وَالْجَانِي لَيْسَ بِمَمْلُوكِ الْمَجْنِيِّ عَلَيْهِ، إِنَّمَا عَلَيْهِ حَقٌّ، وَهَذَا أَقْيَسُ، وَقَالَ الْحُلْوَانِيُّ: وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، فَلَوْ قَتَلَتِ امْرَأَةٌ رَجُلًا لَهُ ابْنَانِ فَقَتَلَهَا أَحَدُهُمَا، فَلِلْآخَرِ نِصْفُ دِيَةِ أَبِيهِ فِي تَرِكَةِ الْمَرْأَةِ الَّتِي قَتَلَتْهُ وَيَرْجِعُ وَرَثَتُهَا عَلَى قَاتِلِهَا بِنِصْفِ دِيَتِهَا، وَعَلَى الْأَوَّلِ يَرْجِعُ الِابْنُ الَّذِي لَمْ يَقْتُلْ عَلَى أَخِيهِ بِنِصْفِ دِيَةِ الْمَرْأَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يُفَوِّتْ عَلَى أَخِيهِ إِلَّا نِصْفَ دِيَةِ الْمَرْأَةِ، وَلَا يُمْكِنُ أَنْ يَرْجِعَ عَلَى وَرَثَةِ الْمَرْأَةِ بِشَيْءٍ ; لِأَنَّ أَخَاهُ الَّذِي قَتَلَهَا أَتْلَفَ جَمِيعَ الْحَقِّ، قَالَ فِي " الشَّرْحِ ": وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَعْفِ هَذَا الْوَجْهِ، وَفِي " الْوَاضِحِ " احْتِمَالٌ: يَسْقُطُ حَقُّهُمْ عَلَى رِوَايَةِ وُجُوبِ الْقَوَدِ عَيْنًا، وَقَالَ ابْنُ حَمْدَانَ: إِنْ قُلْنَا: يَجِبُ الْقَوَدُ عَيْنًا - غَرِمَ الدِّيَةَ قَاتِلُ الْجَانِي، وَإِنْ قُلْنَا: يَجِبُ أَحَدُ أَمْرَيْنِ - أُخِذَتْ مِنْ تَرِكَةِ الْجَانِي (وَإِنْ عَفَا بَعْضُهُمْ سَقَطَ الْقِصَاصُ) لِأَنَّ الْقَتْلَ عِبَارَةٌ عَنْ زُهُوقِ الرُّوحِ بِآلَةٍ صَالِحَةٍ لَهُ وَذَلِكَ لَا يَتَبَعَّضُ (وَإِنْ كَانَ الْعَافِي زَوْجًا، أَوْ زَوْجَةً) إِشَارَةٌ مِنْهُ إِلَى أَنَّهُمَا مِنْ مُسْتَحِقِّي الدَّمِ كَبَقِيَّةِ ذَوِي الْفُرُوضِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِهِمْ، وَقَالَ الْحَسَنُ، وَقَتَادَةُ: لَيْسَ لِلنِّسَاءِ عَفْوٌ، وَعَنْ أَحْمَدَ: هُوَ مَوْرُوثٌ لِلْعَصَبَاتِ خَاصَّةً، ذَكَرَهَا ابْنُ الْبَنَّا، وَاخْتَارَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ ; لِأَنَّهُ ثَبَتَ لِدَفْعِ الْعَارِ فَاخْتُصَّ بِهِ الْعُصْبَةُ كَوِلَايَةِ النِّكَاحِ، وَفِيهِ وَجْهٌ: أَنَّهُ يَخْتَصُّ بِذَوِي الْأَنْسَابِ فَقَطْ، وَقَالَ قَوْمٌ: لَا يَسْقُطُ بِعَفْوِ بَعْضِ الشُّرَكَاءِ ; لِأَنَّ حَقَّ غَيْرِ الْعَافِي لَمْ يَرْضَ بِإِسْقَاطِهِ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ لِمَا رَوَى أَحْمَدُ، وَأَبُو دَاوُدَ، وَالنَّسَائِيُّ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَضَى أَنْ يَعْقِلَ عَنِ الْمَرْأَةِ عَصَبَتُهَا مَنْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute