الِاسْتِيفَاءَ وَيَقْدِرُ عَلَيْهِ أَمْكَنَهُ مِنْهُ وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ، فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي. وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
عُنُقِهِ فَأَبَانَهُ فَقَدِ اسْتَوْفَى حَقَّهُ، وَإِنْ أَصَابَ غَيْرَهُ وَأَقَرَّ بِتَعَمُّدِ ذَلِكَ عُزِّرَ، فَإِنْ قَالَ أَخْطَأْتُ، وَكَانَتِ الضَّرْبَةُ فِي مَوْضِعٍ قَرِيبٍ مِنَ الْعُنُقِ قُبِلَ قَوْلُهُ مَعَ يَمِينِهِ، ثُمَّ إِنْ أَرَادَ الْعَوْدَ فَقِيلَ: لَا يُمَكَّنُ ; لِأَنَّهُ ظَهَرَ مِنْهُ أَنَّهُ لَا يُحْسِنُ، وَقِيلَ: بَلَى، وَاخْتَارَهُ الْقَاضِي ; لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ يُحْتَرَزُ عَنْ مِثْلِ ذَلِكَ ثَانِيًا (وَإِلَّا أَمَرَهُ بِالتَّوْكِيلِ) لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنِ اسْتِيفَائِهِ فَيُوَكِّلُ فِيهِ مَنْ يُحْسِنُهُ ; لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَهُ (فَإِنِ احْتَاجَ إِلَى أُجْرَةٍ فَمِنْ مَالِ الْجَانِي) كَالْحَدِّ وَلِأَنَّهَا أُجْرَةٌ لِإِيفَاءِ مَا عَلَيْهِ مِنَ الْحَقِّ، فَكَانَتْ لَازِمَةً لَهُ كَأُجْرَةِ الْكَيَّالِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: تَكُونُ مِنَ الْفَيْءِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنَ الْجَانِي، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ فِي " الْكَافِي " أَنَّ بَدَلَ الْعِوَضِ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، فَإِنْ لَمْ تَكُنْ فَمِنَ الْجَانِي، وَالَّذِي ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرٍ، وَالْقَاضِي فِي " خِلَافَيْهِمَا " أَنَّ الْأُجْرَةَ عَلَى الْجَانِي، قَالَ فِي " الشَّرْحِ " وَذَهَبَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يُرْزَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ رَجُلٌ يَسْتَوْفِي الْحُدُودَ، وَالْقِصَاصَ ; لِأَنَّ هَذَا مِنَ الْمَصَالِحِ الْعَامَّةِ، فَإِنْ لَمْ يَحْصُلْ، فَعَلَى الْجَانِي لِأَنَّ الْحَقَّ عَلَيْهِ فَيَلْزَمُهُ أُجْرَةُ الِاسْتِيفَاءِ كَأُجْرَةِ الْوَزَّانِ وَيُتَوَجَّهُ لَوْ قَالَ: أَنَا أَقْتَصُّ مِنْ نَفْسِي، وَلَا أُؤَدِّي أُجْرَةً، هَلْ يُقْبَلُ مِنْهُ أَمْ لَا؟ وَقِيلَ: عَلَى الْمُقْتَصِّ ; لِأَنَّهُ وَكِيلُهُ، فَكَانَتِ الْأُجْرَةُ عَلَى مُوَكِّلِهِ كَسَائِرِ الْمَوَاضِعِ، وَالَّذِي عَلَى الْجَانِي التَّمْكِينُ دُونَ الْفِعْلِ، وَلَوْ كَانَتْ عَلَيْهِ أُجْرَةُ الْوَكِيلِ لَلَزِمَهُ أُجْرَةُ الْوَلِيِّ إِذَا اسْتَوْفَى بِنَفْسِهِ (وَالْوَلِيُّ مُخَيَّرٌ بَيْنَ الِاسْتِيفَاءِ بِنَفْسِهِ إِنْ كَانَ يُحْسِنُ وَبَيْنَ التَّوْكِيلِ) هَذَا الْمَذْهَبُ ; لِأَنَّ التَّوْكِيلَ حَقٌّ لَهُ، فَكَانَ الْخِيَرَةُ فِيهِ كَسَائِرِ حُقُوقِهِ (وَقِيلَ: لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَوْفِيَ فِي الطَّرَفِ بِنَفْسِهِ بِحَالٍ) قَدَّمَهُ فِي " الْكَافِي " ; لِأَنَّهُ لَا يُؤْمَنُ أَنْ يُجْنَى عَلَيْهِ بِمَا لَا يُمْكِنُ تَلَافِيهِ، وَقِيلَ: يُمْنَعُ مِنْهُ فِيهِمَا كَجَهْلِهِ، وَاخْتَارَهُ ابْنُ عَقِيلٍ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، قَالَ الْقَاضِي: ظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ أَنَّهُ يُمَكَّنُ مِنْهُ ; لِأَنَّهُ أَحَدُ نَوْعَيِ الْقِصَاصِ فَيُمَكَّنُ مِنْهُ كَالْقِصَاصِ فِي النَّفْسِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute