عَمْدًا مَحْضًا، فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي حَالَّةٌ، وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ، أَوْ خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ، وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعَى، أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ. أَوْ طَلَبَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
لِأَنَّهُ أَتْلَفَهُ بِهَا فَوَجَبَتْ دِيَتُهُ كَالنَّفْسِ إِذَا أُتْلِفَتْ بِهَا، وَقَوْلُهُ " أَوْ سَبَبٍ " ; لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ إِلَى تَلَفِهِ، أَشْبَهَ الْمُبَاشَرَةَ (فَإِنْ كَانَ عَمْدًا مَحْضًا، فَهِيَ فِي مَالِ الْجَانِي) بِالْإِجْمَاعِ ; لِأَنَّ بَدَلَ الْمُتْلَفِ يَجِبُ عَلَى الْمُتْلِفِ، وَأَرْشُ الْجِنَايَةِ عَلَى الْجَانِي، وَلِأَنَّ الْعَامِدَ لَا عُذْرَ لَهُ، فَلَا يَسْتَحِقُّ التَّخْفِيفَ، وَلَا يُوجَدُ فِيهِ الْمَعْنَى الْمُقْتَضِي لِلْمُوَاسَاةِ فِي الْخَطَأِ (حَالَّةً) لِأَنَّ مَا وَجَبَ بِالْعَمْدِ الْمَحْضِ كَانَ حَالًّا كَأَرْشِ أَطْرَافِ الْعَبْدِ وَدِيَةِ شِبْهِ الْعَامِدِ، وَدِيَةُ شِبْهِ الْعَمْدِ الْقَاتِلُ فِيهَا مَعْذُورٌ لِكَوْنِهِ لَمْ يَقْصِدِ الْقَتْلَ (وَإِنْ كَانَ شِبْهَ عَمْدٍ) فَعَلَى عَاقِلَتِهِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ، قَالَ: «اقْتَتَلَتِ امْرَأَتَانِ مِنْ هُذَيْلٍ فَرَمَتْ إِحْدَاهُمَا بِحَجَرٍ فَقَتَلَتْهَا وَمَا فِي بَطْنِهَا، فَقَضَى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِدِيَةِ الْمَرْأَةِ عَلَى عَاقِلَتِهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِأَنَّهُ نَوْعُ قَتْلٍ لَا يُوجِبُ قِصَاصًا فَأَوْجَبَ الدِّيَةَ عَلَى الْعَاقِلَةِ كَالْخَطَأِ، فَعَلَى هَذَا تَجِبُ مُؤَجَّلَةً بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ، وَعَلِيٍّ، وَلَا مُخَالِفَ لَهُمَا فِي عَصْرِهِمَا، وَلِأَنَّ الدِّيَةَ تُخَالِفُ سَائِرَ الْمُتْلَفَاتِ ; لِأَنَّهَا تَجِبُ عَلَى غَيْرِ الْجَانِي عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ تَخْفِيفَهَا عَنْهُمْ، وَقَالَ جَمَاعَةٌ: هِيَ عَلَى الْقَاتِلِ فِي مَالِهِ، اخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ ; لِأَنَّ شِبْهَ الْعَمْدِ كَالْعَمْدِ (أَوْ خَطَأً، أَوْ مَا أُجْرِيَ مَجْرَاهُ، فَعَلَى عَاقِلَتِهِ) لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا حَكَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ إِذِ الْحِكْمَةُ فِيهِ أَنَّ جِنَايَاتِ الْخَطَأِ تَكْثُرُ، وَدِيَةُ الْآدَمِيِّ كَثِيرَةٌ، فَإِيجَابُهَا عَلَى الْجَانِي فِي مَالِهِ تُجْحِفُ بِهِ، فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَابَهَا عَلَى الْعَاقِلَةِ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَاسَاةِ لِلْقَاتِلِ، وَالْإِعَانَةِ لَهُ تَخْفِيفًا ; لِأَنَّهُ مَعْذُورٌ فِي فِعْلِهِ، فَعَلَى هَذَا لَا يُلْزَمُ الْقَاتِلُ شَيْئًا مِنْ دِيَةِ الْخَطَأِ، لَا أَنَّهُ وَاحِدٌ مِنَ الْعَاقِلَةِ، وَمَا أُجْرِيَ مَجْرَى الْخَطَأِ يُعْطَى حُكْمَهُ كَالْخَطَأِ (وَلَوْ أَلْقَى عَلَى إِنْسَانٍ أَفْعَى) وَهُوَ حَيَّةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَالْأَكْثَرُ عَلَى صَرْفِهَا كَعَصًا، وَقِيلَ: بِالْمَنْعِ لِوَزْنِ الْفِعْلِ وَشِبْهِهَا بِالْمُشْتَقِّ، وَهُوَ تَصَوُّرُ أَذَاهَا (أَوْ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا فَقَتَلَتْهُ) فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ،
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute