وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا، أَوْ صَائِلًا، فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا. وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ، ذَهَبَتْ هَدَرًا. وَإِنْ نَظَرَ فِي بَيْتِهِ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حُرْمَةَ لَهَا، فَيَجِبُ عَلَيْهِ الدَّفْعُ إِذَا أَمْكَنَهُ، كَمَا لَوْ خَافَ مِنْ سَيْلٍ أَوْ نَارٍ، وَأَمْكَنَهُ أَنْ يَتَنَحَّى عَنْهُ (وَإِذَا دَخَلَ رَجُلٌ مَنْزِلَهُ مُتَلَصِّصًا أَوْ صَائِلًا) أَيْ: إِذَا ادَّعَى صِيَالَةً بِلَا بَيِّنَةٍ، وَلَا إِقْرَارٍ لَمْ يُقْبَلْ (فَحُكْمُهُ حُكْمُ مَا ذَكَرْنَا) أَيْ: إِذَا دَخَلَ مَنْزِلَ غَيْرِهِ بِغَيْرِ إِذْنِهِ فَلِصَاحِبِ الْمَنْزِلِ أَمْرُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ مَنْزِلِهِ، سَوَاءٌ كَانَ مَعَهُ سِلَاحٌ أَوْ لَا، فَإِنْ خَرَجَ بِالْأَمْرِ لَمْ يَكُنْ لَهُ غَيْرُهُ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِخْرَاجُهُ، لَكِنْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ رَأَى لِصًّا فَأَصْلَتَ عَلَيْهِ السَّيْفَ، قَالَ الرَّاوِي: فَلَوْ تَرَكْنَاهُ لَقَتَلَهُ. وَجَاءَ رَجُلٌ إِلَى الْحَسَنِ، فَقَالَ: رَجُلٌ دَخَلَ بَيْتِي وَمَعَهُ حَدِيدَةٌ، أَقْتُلُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَجَوَابُهُ: أَنَّهُ أَمْكَنَ إِزَالَةُ الْعُدْوَانِ بِغَيْرِ الْقَتْلِ، فَلَمْ يَجُزِ الْقَتْلُ، وَكَمَا لَوْ غَصَبَ مِنْهُ شَيْئًا وَأَمْكَنَ أَخْذُهُ بِغَيْرِ الْقَتْلِ وَفِعْلُ ابْنِ عُمَرَ يُحْمَلُ عَلَى قَصْدِ التَّرْهِيبِ، فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَلَهُ ضَرْبُهُ بِأَسْهَلِ مَا يَعْلَمُ، أَوْ يَظُنُّ أَنَّهُ يَنْدَفِعُ بِهِ، فَإِنْ خَرَجَ بِالْعَصَا لَمْ يَكُنْ لَهُ ضَرْبُهُ بِالْحَدِيدِ، وَإِنْ وَلَّى هَارِبًا لَمْ يَكُنْ لَهُ قَتْلُهُ وَلَا اتِّبَاعُهُ كَالْبُغَاةِ، وَإِنْ ضَرَبَهُ ضَرْبَةً عَطَّلَتْهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَرْشٌ، لِأَنَّهُ لَقِيَ شَرَّهُ، وَإِنْ ضَرَبَهُ فَقَطَعَ يَمِينَهُ، فَوَلَّى مُدْبِرًا فَقَطَعَ رِجْلَهُ، فَالرِّجْلُ مَضْمُونَةٌ بِقِصَاصٍ أَوْ دِيَةٍ، لِأَنَّهُ فِي حَالٍ لَا يَحِلُّ لَهُ ضَرْبُهُ، وَالْيَدُ غَيْرُ مَضْمُونَةٍ، فَإِنْ مَاتَ مِنْ سِرَايَةِ الْقَطْعِ فَعَلَيْهِ نِصْفُ الدِّيَةِ، وَإِنْ عَادَ إِلَيْهِ بَعْدَ قَطْعِ رِجْلِهِ فَقَطَعَ يَدَهُ الْأُخْرَى، فَالْيَدَانِ غَيْرُ مَضْمُونَتَيْنِ، وَإِنْ مَاتَ فَعَلَيْهِ ثُلُثُ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ مَاتَ مِنْ جِرَاحَةِ ثَلَاثَةِ أَنْفُسٍ، وَقِيَاسُ الْمَذْهَبِ: أَنْ يَضْمَنَ نِصْفَ الدِّيَةِ، كَمَا لَوْ جَرَحَهُ اثْنَانِ، وَمَاتَ مِنْهَا، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إِلَّا بِالْقَتْلِ، أَوْ خَافَ أَنْ يَبْدُرَهُ بِهِ، فَلَهُ قَتْلُهُ، وَهُوَ هَدَرٌ، كَالْبَاقِي، وَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الْمَنْزِلِ فَهُوَ شَهِيدٌ لِلْخَبَرِ، وَكَالْعَادِي، وَعَلَى الصَّائِلِ ضَمَانُهُ، وَإِنْ أَمْكَنَ دَفْعُهُ بِقَطْعِ عُضْوٍ فَقَتَلَهُ، أَوْ قَطَعَ زِيَادَةً عَلَى مَا يَنْدَفِعُ بِهِ، ضَمِنَهُ (وَإِنْ عَضَّ إِنْسَانٌ إِنْسَانًا) عَضًّا مُحَرَّمًا (فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ فَسَقَطَتْ ثَنَايَاهُ ذَهَبَتْ هَدَرًا) لِمَا رَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، قَالَ: «قَاتَلَ يَعْلَى بْنُ أُمَيَّةَ رَجُلًا، فَعَضَّ أَحَدُهُمَا صَاحِبَهُ، فَانْتَزَعَ يَدَهُ مِنْ فِيهِ، فَنَزَعَ ثَنِيَّتَهُ، وَفِي لَفْظٍ: بِثَنِيَّتِهِ، فَاخْتَصَمَا إِلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: أَيَعَضُّ أَحَدُكُمْ كَمَا يَعَضُّ الْفَحْلُ، لَا دِيَةَ لَهُ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلَفْظُهُ لِمُسْلِمٍ. وَلِأَنَّهُ عُضْوٌ تَلِفَ ضَرُورَةَ دَفْعِ شَرِّ صَاحِبِهِ فَلَمْ يُضْمَنْ، كَمَا لَوْ صَالَ عَلَيْهِ، فَلَمْ يَكُنِ الدَّافِعُ إِلَّا بِقَطْعِ يَدِهِ، وَسَوَاءٌ كَانَ الْمَعْضُوضُ ظَالِمًا أَوْ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute