يَقُولُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ دِينَ الْإِسْلَامِ. وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَإِذَا كَانَتْ رِدَّتُهُ بِاعْتِقَادِ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ فَلَا بُدَّ وَأَنْ (يَشْهَدَ أَنَّ مُحَمَّدًا بُعِثَ إِلَى الْعَالَمِينَ) وَلَا بُدَّ أَنْ يَقُولَ مَعَ ذَلِكَ كَلِمَةَ الشَّهَادَتَيْنِ، وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ إِقْرَارِهِ بِمَا جَحَدَهُ (أَوْ يَقُولُ أَنَا بَرِيءٌ مِنْ كُلِّ دِينٍ يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالشَّهَادَةِ مَا يَعْتَقِدُهُ وَلِأَنَّ الرُّجُوعَ إِلَى الْإِسْلَامِ لَا يَكُونُ إِلَّا بِذَلِكَ.
فَرْعٌ: يَكْفِي جَحْدُهُ لِرِدَّتِهِ بَعْدَ إِقْرَارِهِ بِهَا فِي الْأَصَحِّ كَرُجُوعِهِ عَنْ حَدٍّ لَا بَعْدَ بَيِّنَةٍ، بَلْ يُجَدِّدُ إِسْلَامَهُ، قَالَ جَمَاعَةٌ: يَأْتِي بِالشَّهَادَتَيْنِ، وَنَقَلَ ابْنُ الْحَكَمِ فِيمَنْ أَسْلَمَ ثُمَّ تَهَوَّدَ، أَوْ تَنَصَّرَ، فَشَهِدَ عَلَيْهِ عُدُولٌ، فَقَالَ: لَمْ أَفْعَلْ، وَأَنَا مُسْلِمٌ، قَبْلَ قَوْلِهِ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: اتَّفَقَ الْأَئِمَّةُ أَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا أَسْلَمَ عَصَمَ دَمَهُ وَمَالَهُ، وَإِنْ لَمْ يَحْكُمْ بِهِ حَاكِمٌ، وَلَا يَحْتَاجُ إِلَى أَنْ يُقِرَّ بِمَا شَهِدَ عَلَيْهِ بِهِ، فَإِذَا لَمْ يَشْهَدْ عَلَيْهِ عَدْلٌ لَمْ يَفْتَقِرِ الْحُكْمُ إِلَى إِقْرَارِهِ بل إخراجه إِلَى ذَلِكَ قَدْ يَكُونُ كَذِبًا، وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ بِنَاءُ حُكْمٍ عَلَى هَذَا الْإِقْرَارِ كَالْإِقْرَارِ الصَّحِيحِ، فَإِنَّهُ قَدْ عُلِمَ أَنَّهُ لُقِّنَهُ، وَأَنَّهُ فَعَلَهُ خَوْفَ الْقَتْلِ، وَهُوَ إِقْرَارُ تَلْجِئَةٍ.
تَنْبِيهٌ: ظَاهِرُ كَلَامِهِ أَنَّهُ إِذَا قَالَ: أَنَا مُؤْمِنٌ أَوْ مُسْلِمٌ، لَمْ يُكْتَفَ بِذَلِكَ، وَنَقَلَ أَبُو طَالِبٍ فِي الْيَهُودِيِّ إِذَا قَالَ: قَدْ أَسْلَمْتُ، أَوْ أَنَا مُسْلِمٌ، يُجْبَرُ عَلَيْهِ، قَدْ عُلِمَ مَا يُرَادُ مِنْهُ، وَنَصَرَ الْقَاضِي، وَابْنُ الْبَنَّا الِاكْتِفَاءَ بِذَلِكَ عَنِ الشَّهَادَتَيْنِ، لِمَا رَوَى الْمِقْدَادُ أَنَّهُ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيْتَ إِنْ لَقِيتُ رَجُلًا مِنَ الْكُفَّارِ، فَقَاتَلَنِي، فَضَرَبَ إِحْدَى يَدَيَّ بِالسَّيْفِ، فَقَطَعَهَا، ثُمَّ لَاذَ مِنِّي بِشَجَرَةٍ، فَقَالَ: أَسْلَمْتُ، أَفَأَقْتُلُهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بَعْدَ أَنْ قَالَهَا؟ قَالَ: لَا تَقْتُلْهُ» . رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَلِأَنَّ ذَلِكَ اسْمٌ لِشَيْءٍ، فَإِذَا أَخْبَرَ بِهِ فَقَدْ أَخْبَرَ بِذَلِكَ الشَّيْءِ، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ احْتِمَالًا: أَنَّ هَذَا فِي الْكَافِرِ الْأَصْلِيِّ، أَوْ مَنْ جَحَدَ الْوَحْدَانِيَّةَ، أَمَّا مَنْ كَفَرَ بِجَحْدِ نَبِيٍّ، أَوْ كِتَابٍ، أَوْ فَرِيضَةٍ، وَنَحْوِهِ فَلَا يَصِيرُ مُسْلِمًا بِهَذَا، لِأَنَّهُ رُبَّمَا اعْتَقَدَ أَنَّ الْإِسْلَامَ مَا هُوَ عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَهْلَ الْبِدَعِ كُلَّهُمْ يَعْتَقِدُونَ أَنَّهُمْ مُسْلِمُونَ وَمِنْهُمْ مَنْ هُوَ كَافِرٌ.
فَرْعٌ: إِذَا شُهِدَ عَلَيْهِ بِأَنَّهُ كَفَرَ، وَادَّعَى الْإِكْرَاهَ، قُبِلَ مَعَ قَرِينَةٍ، وَلَوْ شُهِدَ عَلَيْهِ بِكَلِمَةِ كُفْرٍ فَادَّعَاهُ، قُبِلَ مُطْلَقًا فِي الْأَصَحِّ، لِأَنَّ تَصْدِيقَهُ لَيْسَ فِيهِ تَكْذِيبٌ لِلْبَيِّنَةِ، وَإِنْ أَسْلَمَ عَلَى صَلَاتَيْنِ، قُبِلَ مِنْهُ وَأُمِرَ بِالْخَمْسِ.
(وَإِذَا مَاتَ الْمُرْتَدُّ، فَأَقَامَ وَارِثُهُ بَيِّنَةً أَنَّهُ صَلَّى بَعْدَ الرِّدَّةِ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ) لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute