أَتْلَفَتْهُ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ، وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ، وَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا، وَإِذَا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ؟ عَلَى
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْحَرْبِ (وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: يَزُولُ مِلْكُهُ بِرِدَّتِهِ) وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ، وَصَاحِبُ " التَّبْصِرَةِ "، وَ " الطَّرِيقِ الْأَقْرَبِ "، وَهُوَ رِوَايَةٌ، لِأَنَّ عِصْمَةَ نَفْسِهِ، وَمَالِهِ إِنَّمَا يَثْبُتُ بِإِسْلَامِهِ، فَزَوَالُ إِسْلَامِهِ مُزِيلُ عِصْمَتِهِمَا، كَمَا لَوْ لَحِقَ بِدَارِ الْحَرْبِ، وَلِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ مَلَكُوا إِرَاقَةَ دَمِهِ بِرِدَّتِهِ، فَوَجَبَ أَنْ يَمْلِكُوا أَمْوَالَهُ بِهَا، وَعَنْهُ: إِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ تَبَيَّنَّا زَوَالَهُ مِنْ حِينِ رِدَّتِهِ، فَلَوْ بَاعَ شِقْصًا مَشْفُوعًا أُخِذَ عَلَى الْأُولَى، وَعَلَى الثَّانِيَةِ يُجْعَلُ فِي بَيْتِ الْمَالِ (وَلَا يَصِحُّ تَصَرُّفُهُ) لِأَنَّ مِلْكَهُ قَدْ زَالَ بِرِدَّتِهِ، وَجَوَابُهُ: أَنَّ مِلْكَهُ قَدْ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ غَيْرِهِ فِي بَقَاءِ مِلْكِهِ فِيهِ، فَكَانَ تَصَرُّفُهُ مَوْقُوفًا، كَتَصَرُّفِ الْمَرِيضِ.
(وَإِنْ أَسْلَمَ رُدَّ إِلَيْهِ تَمْلِيكًا مُسْتَأْنَفًا) أَيْ: جَدِيدًا لِزَوَالِهِ بِرِدَّتِهِ.
تَذْنِيبٌ: إِذَا تَزَوَّجَ لَمْ يَصِحَّ، لِأَنَّهُ لَا يُقَرُّ عَلَى النِّكَاحِ كَنِكَاحِ الْكَافِرِ مُسْلِمَةً، وَكَذَا لَوْ زُوِّجَ مُوَلِّيَتَهُ لِأَنَّ النِّكَاحَ لَا يَكُونُ مَوْقُوفًا، فَلَوْ وُجِدَ مِنْهُ سَبَبٌ يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ كَالصَّيْدِ، وَالِاتِّهَابِ، وَالشِّرَاءِ، ثَبَتَ الْمِلْكُ إِنْ بَقِيَ مِلْكُهُ، وَإِلَّا فَلَا، وَاحْتَجَّ بِهِ فِي " الْفُصُولِ " عَلَى بَقَاءِ مِلْكِهِ، وَأَنَّ الدَّوَامَ أَوْلَى، وَعَلَى رِوَايَةٍ يَرِثُهُ مُسْلِمٌ، أَوْ أَهْلُ دِينِهِ الَّذِي اخْتَارَهُ، فَكَمُسْلِمٍ فِيهِ، وَفِي " الِانْتِصَارِ ": لَا قَطْعَ بِسَرِقَتِهِ لِعَدَمِ عِصْمَتِهِ (وَإِذَا أَسْلَمَ فَهَلْ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَ مِنَ الْعِبَادَاتِ الْخَمْسِ؟ عَلَى رِوَايَتَيْنِ) إِحْدَاهُمَا: يَقْضِي، صَحَّحَهَا فِي " الرِّعَايَةِ "، وَجَزَمَ بِهَا فِي " الْوَجِيزِ "، لِأَنَّهَا عِبَادَةٌ وَاجِبَةٌ الْتَزَمَ بِوُجُوبِهَا، وَاعْتَرَفَ بِهِ فِي زَمَنِ إِسْلَامِهِ فَلَزِمَهُ الْقَضَاءُ كَغَيْرِ الْمُرْتَدِّ، وَالثَّانِيَةُ: لَا يَلْزَمُهُ، وَهِيَ الْأَشْهَرُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: ٣٨] وَكَالْحَرْبِيِّ، وَلِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - لَمْ يَأْمُرِ الْمُرْتَدِّينَ بِقَضَاءِ مَا فَاتَهُمْ، وَقَدَّمَ الْمَجْدُ، وَابْنُ تَمِيمٍ: أَنَّهُ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ مَا تَرَكَهُ قَبْلَ الرِّدَّةِ مِنْ صَلَاةٍ، وَصَوْمٍ، وَزَكَاةٍ، وَقِيلَ: يقضي غير الْحَجُّ، رِوَايَةً وَاحِدَةً، وَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَابْنُ حَمْدَانَ: أَنَّهُ لَوْ جُنَّ بَعْدَ تَرْكِهِ لَمْ تَسْقُطْ عَنْهُ الصَّلَاةُ، وَإِنْ حَاضَتْ سَقَطَتْ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute