للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رِوَايَتَيْنِ. وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ، وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحْرِمٌ؛ فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

رِوَايَتَيْنِ) .

أَظْهَرُهُمَا: أَنَّهُ لَا يُبَاحُ، وَهُوَ ظَاهِرُ الْوَجِيزِ، وَالْفُرُوعِ، لِأَنَّ الْآيَةَ دَلَّتْ عَلَى تَحْرِيمِ الْمَيْتَةِ، وَاسْتَثْنَى مَا اضْطُرَّ إِلَيْهِ، فَإِذَا انْدَفَعَتِ الضَّرُورَةُ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ كَحَالَةِ الِابْتِدَاءِ.

وَالثَّانِيَةُ: يُبَاحُ، اخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، لِمَا رَوَى جَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ: «أَنَّ رَجُلًا نَزَلَ الْحَرَّةَ فَنَفَقَتْ عِنْدَهُ نَاقَةٌ، فَقَالَتِ امْرَأَتُهُ: اسْلُخْهَا حَتَّى نُقَدِّدَ شَحْمَهَا وَلَحْمَهَا وَنَأْكُلَهُ، فَقَالَ: حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَسَأَلَهُ، فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكَ غِنًى يُغْنِيكَ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: فَكُلُوهَا» . رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ. وَلِأَنَّ مَا جَازَ سَدُّ الرَّمَقِ مِنْهُ جَازَ الشِّبَعُ مِنْهُ كَالْمُبَاحِ، وَقِيلَ: هَذَا مُقَيَّدٌ بِدَوَامِ الْخَوْفِ، وَيَنْبَنِي عَلَيْهِمَا تَزَوُّدُهُ، قَالَهُ فِي التَّرْغِيبِ، وَجَوَّزَهُ جَمَاعَةٌ، وَنَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ، وَالْفَضْلُ: يَتَزَوَّدُ إِنْ خَافَ الْحَاجَةَ، وَاخْتَارَهُ أَبُو بَكْرٍ، قَالَ: كَمَا يَتَيَمَّمُ، وَيَتْرُكُ الْمَاءَ إِذَا خَافَ، كَذَا هُنَا، وَهَذَا إِنْ لَمْ يَكُنْ فِي سَفَرٍ مُحَرَّمٍ، فَإِنْ كَانَ فِيهِ، وَلَمْ يَتُبْ فَلَا، وَيَجِبُ تَقْدِيمُ السُّؤَالِ قَبْلَ أَكْلِهِ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقَالَ لِسَائِلٍ: قُمْ قَائِمًا لِيَكُونَ لَكَ عُذْرٌ عِنْدَ اللَّهِ. قَالَ الْقَاضِي: يَأْثَمُ إِذَا لَمْ يَسْأَلْ، وَنَقَلَ الْأَثْرَمُ: إِنِ اضْطُرَّ إِلَى الْمَسْأَلَةِ فَهِيَ مُبَاحَةٌ، قِيلَ: فَإِنْ تَوَقَّفَ، قَالَ: مَا أَظُنُّ أَحَدًا يَمُوتُ مِنَ الْجُوعِ، اللَّهُ يَأْتِيهِ بِرِزْقِهِ، (وَإِنْ وَجَدَ طَعَامًا لَا يَعْرِفُ مَالِكَهُ) أَيْ: جَهِلَهُ (وَمَيْتَةً وَصَيْدًا، وَهُوَ مُحَرَّمٌ، فَقَالَ أَصْحَابُنَا: يَأْكُلُ الْمَيْتَةَ) ، وَقَالَهُ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ، وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ، لِأَنَّ حَقَّ اللَّهِ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَامَحَةِ وَالْمُسَاهَلَةِ، بِخِلَافِ حَقِّ الْآدَمِيِّ، فَإِنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الشُّحِّ، وَالضِّيقِ، وَحَقُّهُ يُلْزِمُهُ غَرَامَتَهُ، بِخِلَافِ حَقِّ اللَّهِ، فَإِنَّهُ لَا عِوَضَ فِيهِ، وَفِي الْفُنُونِ قَالَ حَنْبَلِيٌّ: الَّذِي يَقْتَضِيهِ مَذْهَبُنَا خِلَافَ هَذَا، (وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَحِلَّ لَهُ الطَّعَامُ، وَالصَّيْدُ، إِذَا لَمْ تَقْبَلْ نَفْسُهُ الْمَيْتَةَ) هَذَا وَجْهٌ، لِأَنَّهُ قَادِرٌ عَلَى الطَّعَامِ الْحَلَالِ، أَشْبَهَ مَا لَوْ بَذَلَهُ مَالِكُهُ، وَفِي الْكَافِي: هِيَ أَوْلَى إِنْ طَابَتْ نَفْسُهُ، وَإِلَّا أَكَلَ الطَّعَامَ، لِأَنَّهُ مُضْطَرٌّ، وَفِي مُخْتَصَرِ ابْنِ رَزِينٍ، وَلَوْ بِقِتَالِهِ، ثُمَّ صَيْدًا، ثُمَّ مَيْتَةً، فَلَوْ عَلِمَهُ، وَبَذَلَهُ فَفِي بَقَاءِ حِلِّهِ - كَبَذْلِ حُرَّةٍ بُضْعَهَا لِمَنْ لَمْ يَجِدْ طَوْلًا - مَنْعٌ وَتَسْلِيمٌ، فَإِنْ بَذَلَهُ بِثَمَنِ مِثْلِهِ لَزِمَهُ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: لَا يَلْزَمُ مُعْسِرًا عَلَى احْتِمَالٍ، فَإِنْ وَجَدَ صَيْدًا وَطَعَامًا أَكَلَ مِنَ الطَّعَامِ، وَإِنْ وَجَدَ لَحْمَ صَيْدٍ ذَبَحَهُ مُحْرِمٌ، وَمَيْتَةً أَكَلَ مِنَ الصَّيْدِ، قَالَهُ الْقَاضِي، وَقَالَ أَبُو الْخَطَّابِ: يَأْكُلُ مِنَ الْمَيْتَةِ، فَإِنِ اشْتَبَهَتْ مَيْتَةٌ بِمُذَكَّاةٍ تَحَرَّى عَلَى

<<  <  ج: ص:  >  >>