لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ، وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ، فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمِ كَالْحَرْبِيِّ، وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ؟ وَإِنْ وُجِدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا، فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
، وَأَعْطَاهُ قِيمَتَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: يُقَاتِلُهُ، (فَإِنْ قُتِلَ صَاحِبُ الطَّعَامِ لَمْ يَجِبْ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ ظَالِمٌ بِقِتَالِهِ، أَشْبَهَ الصَّائِلَ، (وَإِنْ قُتِلَ الْمُضْطَرُّ، فَعَلَيْهِ ضَمَانُهُ) لِأَنَّهُ قُتِلَ ظُلْمًا، (فَإِنْ لَمْ يَجِدْ إِلَّا آدَمِيًّا مُبَاحَ الدَّمَ كَالْحَرْبِيِّ وَالزَّانِي الْمُحْصَنِ حَلَّ قَتْلُهُ وَأَكْلُهُ) لِأَنَّهُ لَا حُرْمَةَ لَهُ، فَهُوَ بِمَنْزِلَةِ السِّبَاعِ، فَلَوْ وَجَدَهُ مَيِّتًا فَلَهُ أَكْلُهُ، (وَإِنْ وُجَدَ مَعْصُومًا مَيِّتًا فَفِي جَوَازِ أَكْلِهِ وَجْهَانِ) .
أَحَدُهُمَا: لَا يَجُوزُ، صَحَّحَهُ فِي الرِّعَايَةِ، وَهُوَ قَوْلُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّ الْحَيَّ وَالْمَيِّتَ يَشْتَرِكَانِ فِي الْحُرْمَةِ، بِدَلِيلِ قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «كَسْرُ عَظْمِ الْمَيِّتِ كَكَسْرِ عَظْمِ الْحَيِّ» .
وَالثَّانِي: بَلَى، اخْتَارَهُ أَبُو الْخَطَّابِ، وَابْنُ عَقِيلٍ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، لِأَنَّ الْأَكْلَ مِنَ اللَّحْمِ لَا مِنَ الْعَظْمِ.
وَالْمُرَادُ بِالْخَبَرِ التَّشْبِيهُ فِي أَصْلِ الْحُرْمَةِ لَا بِمِقْدَارِهَا، بِدَلِيلِ اخْتِلَافِهِمَا فِي الضَّمَانِ وَالْقَوَدِ، قَالَ الْمُؤَلِّفُ: وَهُوَ أَوْلَى، وَظَاهِرُهُ: أَنَّهُ إِذَا كَانَ حَيًّا أَنَّهُ لَا يَحِلُّ قَتْلُهُ، وَلَا إِتْلَافُ عُضْوٍ مِنْهُ، مُسْلِمًا كَانَ أَوْ كَافِرًا، وَهَذَا لَا اخْتِلَافَ فِيهِ، لِأَنَّ الْمَعْصُومَ الْحَيَّ مِثْلُ الْمُضْطَرِّ، فَلَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُبْقِيَ نَفْسَهُ بِإِتْلَافِهِ.
تَنْبِيهٌ: إِذَا لَمْ يَجِدِ الْمُضْطَرُّ شَيْئًا لَمْ يُبَحْ لَهُ أَكْلُ بَعْضِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّهُ يُتْلِفُهُ لِتَحْصِيلِ مَا هُوَ مَوْهُومٌ، فَلَوْ وَجَدَ الْمُضْطَرُّ مَنْ يُطْعِمُهُ وَيَسْقِيهِ لَمْ يَحِلَّ لَهُ الِامْتِنَاعُ مِنْهُ، وَلَا الْعُدُولُ إِلَى الْمَيْتَةِ إِلَّا أَنْ يَخَافَ أَنْ يَسُمَّهُ فِيهِ، أَوْ يَكُونَ الطَّعَامُ فِيهِ مَضَرَّةً، أَوْ يَخَافَ أَنْ يُمْرِضَهُ، وَمَنِ اضْطُرَّ إِلَى نَفْعِ مَالِ الْغَيْرِ مَعَ بَقَاءِ عَيْنِهِ، كَدَفْعِ بَرْدٍ، وَاسْتِقَاءِ مَاءٍ، وَكَوْنُهُ وَجَبَ بَذْلُهُ مَجَّانًا مَعَ عَدَمِ حَاجَتِهِ إِلَيْهِ، وَقِيلَ: يَجِبُ الْعِوَضُ.
مَسْأَلَةٌ: سُئِلَ أَحْمَدُ عَنِ الْجُبْنِ؛ فَقَالَ: يُؤْكَلُ مِنْ كُلِّ أَحَدٍ، فَقِيلَ لَهُ عَنِ الْجُبْنِ الَّذِي تَصْنَعُهُ الْمَجُوسُ، فَقَالَ: مَا أَدْرِي، وَذَكَرَ أَنَّ أَصَحَّ حَدِيثٍ فِيهِ حَدِيثُ عُمَرَ، أَنَّهُ سُئِلَ عَنِ الْجُبْنِ، وَقِيلَ لَهُ: تُعْمَلُ فِيهِ الْإِنْفَحَةُ الْمَيْتَةُ؟ قَالَ: سَمُّوا اسْمَ اللَّهِ وَكُلُوا. وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَشْتَرِيَ جَوْزًا، أَوْ بَيْضًا قُومِرَ بِهِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute