للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سِوَاهُ، فَإِنْ عَجَزَ عَنْ ذَلِكَ، مِثْلُ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرُ، أَوْ يَتَرَدَّى فِي بِئْرٍ، فَلَا يَقْدِرُ عَلَى ذَبْحِهِ، صَارَ كَالصَّيْدِ، إِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ، فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ، إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ، فَلَا يُبَاحُ، وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا، وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ أُكِلَتْ، وَإِنْ فَعَلَهُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

بِمُحَدَّدٍ فِي لَبَّتِهِ) فَبَيَانٌ لِمَعْنَى النَّحْرِ، وَكَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابُهُ هَكَذَا يَفْعَلُونَ، وَنَقَلَ الْمَيْمُونِيُّ: أَنَّ ابْنَ عَبَّاسٍ، وَابْنَ عُمَرَ قَالَا: النَّحْرُ فِي اللَّبَّةِ، وَالذَّبْحُ فِي الْحَلْقِ، وَالذَّبْحُ وَالنَّحْرُ فِي الْبَقَرِ وَاحِدٌ، (وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يُنْحَرَ الْبَعِيرُ، وَيُذْبَحَ مَا سِوَاهُ) بِغَيْرِ خِلَافٍ، قَالَهُ فِي الشَّرْحِ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ} [الكوثر: ٢] ، وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً} [البقرة: ٦٧] ، وَأَمَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِالنَّحْرِ، لِأَنَّ أَغْلَبَ مَاشِيَةِ قَوْمِهِ الْإِبِلُ، وَأُمِرَ بَنُو إِسْرَائِيلَ بِالذَّبْحِ، لِأَنَّ غَالِبَ مَاشِيَتِهِمُ الْبَقَرُ، وَلِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - نَحَرَ الْبُدْنَ، وَذَبَحَ كَبْشَيْنِ أَمْلَحَيْنِ بِيَدِهِ، مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَفِي التَّرْغِيبِ رِوَايَةٌ: يُنْحَرُ الْبَقَرُ، وَعِنْدَ ابْنِ عَقِيلٍ: إِنَّ مَا صَعُبَ وَضْعُهُ فِي الْأَرْضِ نُحِرَ، (فَإِنْ عُجِزَ عَنْ ذَلِكَ مِثْلَ أَنْ يَنِدَّ الْبَعِيرُ) أَيْ: إِذَا ذَهَبَ عَلَى وَجْهِهِ شَارِدًا، (أَوْ يَتَرَدَّى) أَيْ: يَسْقُطُ، (فِي بِئْرٍ فَلَا يُقْدَرُ عَلَى ذَبْحِهِ، صَارَ كَالصَّيْدِ إِذَا جَرَحَهُ فِي أَيِّ مَوْضِعٍ أَمْكَنَهُ فَقَتَلَهُ حَلَّ أَكْلُهُ) رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَعَائِشَةَ، وَقَالَهُ أَكْثَرُ الْعُلَمَاءِ، لِمَا رَوَى رَافِعُ بْنُ خَدِيجٍ، قَالَ: «كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَدَّ بَعِيرٌ، وَفِي الْقَوْمِ خَيْلٌ يَسِيرَةٌ، فَطَلَبُوهُ فَأَعْيَاهُمْ، فَأَهْوَى إِلَيْهِ رَجُلٌ بِسَهْمٍ، فَقَالَ النَّبِيُّ: - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: إِنَّ لِهَذِهِ الْبَهَائِمِ أَوَابِدُ كَأَوَابِدِ الْوَحْشِ، فَمَا غَلَبَكُمْ منها فَاصْنَعُوا بِهِ هَكَذَا» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلِأَنَّ الِاعْتِبَارَ فِي الذَّكَاةِ بِحَالِ الْحَيَوَانِ وَقْتَ ذَبْحِهِ، لَا بِأَصْلِهِ، بِدَلِيلِ الْوَحْشِيِّ إِذَا قُدِرَ عَلَيْهِ وَجَبَتْ ذَكَاتُهُ فِي الْحَلْقِ وَاللَّبَّةِ، فَكَذَلِكَ الْأَهْلِيُّ إِذَا تَوَحَّشَ. وَذَكَرَ أَبُو الْفَرَجِ: يُقْتَلُ مِثْلُهُ غَالِبًا، وَقَالَ مَالِكٌ: لَا يَجُوزُ أَكْلُهُ، إِلَّا أَنْ يُذَكَّى، قَالَ أَحْمَدُ: لَعَلَّهُ لَمْ يَبْلُغْهُ حَدِيثُ رَافِعٍ، (إِلَّا أَنْ يَمُوتَ بِغَيْرِهِ، مِثْلَ أَنْ يَكُونَ رَأْسُهُ فِي الْمَاءِ فَلَا يُبَاحُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَهُوَ قَوْلُ الْأَصْحَابِ، لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَنَّ الذَّبْحَ قَتَلَهُ، وَلِأَنَّ الْمَاءَ أَعَانَ عَلَى قَتْلِهِ فَحَرُمَ، كَمَا لَوْ جَرَحَ الصَّيْدَ مُسْلِمٌ وَمَجُوسِيٌّ، وَقِيلَ: يَحِلُّ إِنْ جَرَحَهُ بِجَرْحٍ مُوحٍ، (وَإِنْ ذَبَحَهَا مِنْ قَفَاهَا وَهُوَ مُخْطِئٌ، فَأَتَتِ السِّكِّينُ) وَلَوْ عَبَّرَ بِالْآلَةِ لَعَمَّ، (عَلَى مَوْضِعِ ذَبْحِهَا وَهِيَ فِي الْحَيَاةِ) أَيْ: فِيهِ حَيَاةٌ مُسْتَقِرَّةٌ، وَيُعْلَمُ ذَلِكَ بِوُجُودِ الْحَرَكَةِ، وَعَنْهُ: أَوْ لَا، وَفِي

<<  <  ج: ص:  >  >>