كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، وَالظَّاهِرُ: أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
قَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْحُدُودُ كَفَّارَاتٌ لِأَهْلِهَا» . فَوَجَبَ أَنْ تَتَدَاخَلَ كَالْحُدُودِ (وَعَنْهُ: لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) وَقَالَهُ أَبُو عُبَيْدٍ فِيمَنْ قَالَ: عَلَيَّ عَهْدُ اللَّهِ، وَمِيثَاقُهُ وَكَفَالَتُهُ ثُمَّ حَنِثَ، فَعَلَيْهِ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، وَلِأَنَّ كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُنَّ مِثْلَ الْأُولَى، وَكَمَا لَوِ اخْتَلَفَ مُوجِبُهَا، كَيَمِينٍ وَظِهَارٍ، وَعَنْهُ: إِنْ حَلَفَ أَيْمَانًا عَلَى شَيْءٍ وَاحِدٍ لِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ، إِلَّا أَنْ يَنْوِيَ التَّأْكِيدَ، أَوِ التَّفْهِيمَ، (وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا إِنْ كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ) كَوَاللَّهِ لَا قُمْتُ، وَاللَّهِ لَا قُمْتُ، (فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ) نَحْوَ: وَاللَّهِ لَا قُمْتُ، وَاللَّهِ لَا قَعَدْتُ، (فَلِكُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَةٌ) هَذَا رِوَايَةٌ، وَنَصَرَهَا فِي الشَّرْحِ، لِأَنَّهَا إِذَا كَانَتْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ كَانَ سَبَبُهَا وَاحِدًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ التَّأْكِيدَ، وَإِنْ كَانَتْ عَلَى أَفْعَالٍ، فَلِأَنَّهَا أَيْمَانٌ لَا يَحْنَثُ فِي إِحْدَاهُنَّ بِالْحِنْثِ فِي الْأُخْرَى، فَوَجَبَ فِي كُلِّ يَمِينٍ كَفَّارَتُهَا، كَالْمُخْتَلِفَةِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ، لِأَنَّهَا كَفَّارَاتٌ مِنْ جِنْسٍ، فَقَدْ أَحَلَّتْ كَالْحُدُودِ، وَأَجَابَ فِي الشَّرْحِ بِأَنَّ الْحُدُودَ وَجَبَتْ لِلزَّجْرِ، وَتَنْدَرِئُ فِي الشُّبْهَةِ، وَالْمُوَالَاةُ بَيْنَهَا رُبَّمَا أَفْضَى إِلَى التَّلَفِ، لِأَنَّهَا عُقُوبَةٌ بَدَنِيَّةٌ، بِخِلَافِ مَسْأَلَتِنَا.
فَرْعٌ: إِذَا حَلَفَ يَمِينًا وَاحِدَةً عَلَى أَجْنَاسٍ مُخْتَلِفَةٍ وَحَنِثَ فِي الْجَمِيعِ فَكَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ، بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، لِأَنَّ الْيَمِينَ وَاحِدَةٌ، وَالْحِنْثَ وَاحِدٌ، فَإِنَّهُ يَحْنَثُ بِفِعْلٍ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَتَنْحَلُّ يَمِينُهُ، فَإِنْ أَخْرَجَهَا ثُمَّ حَنِثَ فِي أُخْرَى، فَكَفَّارَةٌ أُخْرَى لَا نَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا، كَمَا لَوْ وَطِئَ فِي رَمَضَانَ فَكَفَّرَ، ثُمَّ وَطِئَ ثَانِيَةً.
تَنْبِيهٌ: مِثْلُهُ الْحَلِفُ بِنُذُورٍ مُكَرَّرَةٍ، أَوْ بِطَلَاقٍ مُكَفَّرٍ، قَالَهُ شَيْخُنَا، نَقَلَ ابْنُ مَنْصُورٍ فِيمَنْ حَلَفَ نُذُورًا كَثِيرَةً مُسَمَّاةً إِلَى بَيْتِ اللَّهِ أَنْ لَا يُكَلِّمُ أَبَاهُ أَوْ أَخَاهُ، فَعَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ، وَقَالَ شَيْخُنَا فِيمَنْ قَالَ: الطَّلَاقُ يَلْزَمُهُ لَأَفْعَلَنَّ كَذَا، وَكَرَّرَهُ، لَمْ يَقَعْ أَكْثَرُ مِنْ وَاحِدَةٍ، إِذَا لَمْ يَنْوِ، فَيَتَوَجَّهُ مِثْلُهُ: إِنْ قُمْتِ فَأَنْتِ طَالِقٌ، وَكَرَّرَهُ ثَلَاثًا، وَذَكَرَ الْمُؤَلِّفُ أَنَّهُ يَقَعُ بِهَا ثَلَاث إِجْمَاعًا، وَكَانَ الْفَرْقُ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ مِنَ الشَّرْطِ الْجَزَاءُ، فَتَقَعُ الثَّلَاثُ مَعًا لِلتَّلَازُمِ، وَلَا رَبْطَ فِي الْيَمِينِ، وَلِأَنَّهَا لِلزَّجْرِ وَالتَّطْهِيرِ، فَهِيَ كَالْحُدُودِ بِخِلَافِ الطَّلَاقِ، وَالْأَصْلُ حَمْلُ اللَّفْظِ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute