للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ، وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ، وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ، وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ أَوِ الِاعْتِكَافَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ، فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ، وَلَوْ نَذَرَ الصَّدَقَةَ بِكُلِّ مَالِهِ، فَلَهُ الصَّدَقَةُ بِثُلُثِهِ، وَلَا

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

كَالْقَسَمِ، وَأَبُوهُ وَكُلُّ مَعْصُومٍ كَالْوَلَدِ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي وَغَيْرُهُ، وَاخْتَارَهُ فِي الِانْتِصَارِ مَا لَمْ نَقِسْ، وَفِي عُيُونِ الْمَسَائِلِ، وَعَلَى قِيَاسِهِ الْعَمُّ وَالْأَخُ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ بَيْنَهُمْ وِلَايَةً.

(وَالثَّانِيَةُ: يَلْزَمُهُ ذَبْحُ كَبْشٍ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ، وَقَدَّمَهُ فِي الْفُرُوعِ، وَقَالَ ابْنُ هُبَيْرَةَ: هِيَ أَظْهَرُ، وَرَوَاهُ سَعِيدٌ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَ الْكَبْشَ عِوَضًا عَنْ ذَبْحِ إِسْمَاعِيلَ، بَعْدَ أَنْ أَمَرَ إِبْرَاهِيمَ بِذَبْحِهِ، وَقَدْ أُمِرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِاتِّبَاعِ إِبْرَاهِيمَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا} [النحل: ١٢٣] ، وَنَذْرُ الْآدَمِيِّ كَذَلِكَ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي الْإِلْزَامَ، كَالْأَمْرِ قَبْلَ إِمْكَانِهِ، وَيُفَرِّقُهُ عَلَى الْمَسَاكِينِ، وَقِيلَ: كَهَدْيٍ، وَنَقَلَ حَنْبَلٌ: يَلْزَمَانِهِ، وَعَنْهُ: إِنْ قَالَ: إِنْ فَعَلْتُهُ فَعَلَيَّ كَذَا، أَوْ نَجَزَهُ وَقَصَدَ الْيَمِينَ فَيَمِينٌ، وَإِلَّا فَنَذْرُ مَعْصِيَةٍ، قَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: وَهُوَ مَبْنِيٌّ عَلَى الْفَرْقِ بَيْنَ النَّذْرِ وَالْيَمِينِ، وَلَوْ نَذَرَ طَاعَةً حَالِفًا بِهَا أَجْزَأَهُ كَفَّارَةُ يَمِينٍ بِلَا خِلَافٍ عَنْ أَحْمَدَ، فَكَيْفَ لَا يُجْزِئُهُ إِذَا نَذَرَ مَعْصِيَةً حَالِفًا بِهَا؛ فَعَلَى رِوَايَةِ حَنْبَلٍ يَلْزَمَانِ النَّاذِرَ، وَالْحَالِفُ تُجْزِئُهُ كَفَّارَةٌ.

فَرْعٌ: إِذَا كَانَ بَنُوهُ ثَلَاثَةً، وَلَمْ يُعَيِّنْ أَحَدَهُمْ، لَزِمَهُ ثَلَاثَةُ كِبَاشٍ، أَوْ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ، ذَكَرَهُ فِي الرِّعَايَةِ، قَالَ فِي الشَّرْحِ: لِأَنَّ لَفْظَ الْوَاحِدِ إِذَا أُضِيفَ اقْتَضَى الْعُمُومَ (وَيُحْتَمَلُ أَلَّا يَنْعَقِدَ نَذْرُ الْمُبَاحِ وَلَا الْمَعْصِيَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي إِسْرَائِيلَ وَعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ، قَالَ: نَذَرَتْ «أُخْتِي أَنْ تَمْشِيَ إِلَى بَيْتِ اللَّهِ، فَاسْتَفْتَيْتُ لَهَا رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، فَقَالَ: لِتَمْشِ، وَلْتَرْكَبْ» . مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ. وَلَفْظُهُ لِلْبُخَارِيِّ. وَذَكَرَ الْآدَمِيُّ: نَذْرُ شُرْبِ الْخَمْرِ لَغْوٌ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَقَدَّمَ ابْنُ رَزِينٍ: نَذْرُ الْمَعْصِيَةِ لَغْوٌ، قَالَ: وَنَذْرُهُ لِشَيْخٍ مُعَيَّنٍ حَيٍّ لِلِاسْتِعَانَةِ وَقَضَاءِ الْحَاجَةِ كَحَلِفِهِ بِغَيْرِهِ (وَلَا تَجِبُ بِهِ الْكَفَّارَةُ) لِمَا تَقَدَّمَ، وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ قَوْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «لَا نَذْرَ إِلَّا فِيمَا ابْتُغِيَ بِهِ وَجْهُ اللَّهِ» . أَيْ: لَا نَذْرَ يَجِبُ الْوَفَاءُ بِهِ، وَلَا خِلَافَ فِيهِ، وَإِنَّمَا هُوَ فِي انْعِقَادِهِ مُوجِبًا لِلْكَفَّارَةِ، ثُمَّ أَكَّدَ الِاحْتِمَالَ بِقَوْلِهِ: (وَلِهَذَا قَالَ أَصْحَابُنَا: لَوْ نَذَرَ الصَّلَاةَ أَوْ الِاعْتِكَافَ فِي مَكَانٍ مُعَيَّنٍ) غَيْرِ الْمَسَاجِدِ الثَّلَاثَةِ (فَلَهُ فِعْلُهُ فِي غَيْرِهِ، وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) فَجَعَلُوا ذَلِكَ مِنْهُ، وَفِيهِ نَظَرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>