للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

سَمِيعًا، بَصِيرًا، مُتَكَلِّمًا، مُجْتَهِدًا، وَهَلْ يُشْتَرَطُ كَوْنُهُ كَاتِبًا؟ عَلَى وَجْهَيْنِ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

عَبْدٍ إِمَارَةً سِرِّيَّةً، وَقَسْمُ صَدَقَةٍ وَفَيْءٍ، وَإِمَامَةُ صَلَاةٍ، وَفِيهِ وَجْهٌ: يَجُوزُ مُطْلَقًا، قَالَهُ ابْنُ عَقِيلٍ وَأَبُو الْخَطَّابِ، وَقَالَ فِيهِ: بِإِذْنِ سَيِّدٍ. (مُسْلِمًا) لِأَنَّ الْكُفْرَ يَقْتَضِي إِذْلَالَ صَاحِبِهِ، وَالْقَضَاءُ يَقْتَضِي احْتِرَامَهُ، وَبَيْنَهُمَا مُنَافَاةٌ، وَهُوَ شَرْطٌ فِي الشَّهَادَةِ، فَكَذَا هُنَا، عَدْلًا؛ لِأَنَّ الْفَاسِقَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ شَاهِدًا فَهَذَا أَوْلَى، وَلَا يَجُوزُ تَوْلِيَةُ مَنْ فِيهِ نَقْصٌ يَمْنَعُ الشَّهَادَةَ.

وَظَاهِرُهُ: وَلَوْ تَائِبًا مِنْ قَذْفٍ، نَصَّ عَلَيْهِ، وَقِيلَ: أَوْ فِسْقٍ بِشُبْهَةٍ، فَوَجْهَانِ. (سَمِيعًا) لِأَنَّ الْأَصَمَّ لَا يَسْمَعُ كَلَامَ الْخَصْمَيْنِ. (بَصِيرًا) لِأَنَّ الْأَعْمَى لَا يَعْرِفُ الْمُدَّعِيَ مِنَ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، وَلَا الْمُقِرَّ مِنَ الْمُقَرِّ لَهُ. (مُتَكَلِّمًا) لِأَنَّ الْأَخْرَسَ لَا يُمْكِنُهُ النُّطْقُ بِالْحُكْمِ، وَلَا يَفْهَمُ جَمِيعُ النَّاسِ إِشَارَتَهُ. (مُجْتَهِدًا) إِجْمَاعًا، ذَكَرَهُ ابْنُ حَزْمٍ، وَأَنَّهُمْ أَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهُ لَا يَحِلُّ لِحَاكِمٍ وَلَا لِمُفْتٍ تَقْلِيدُ رَجُلٍ لَا يَحْكُمُ وَلَا يُفْتِي إِلَّا بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّهُ فَاقِدُ الِاجْتِهَادِ، إِنَّمَا يَحْكُمُ بِالتَّقْلِيدِ! وَالْقَاضِي مَأْمُورٌ بِالْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ، وَلِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُدَ، وَرِجَالُهُ ثِقَاتٌ. وَلِأَنَّ الْمُفْتِيَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَامِّيًّا مُقَلِّدًا، فَالْحَاكِمُ أَوْلَى.

وَلَكِنْ فِي الْإِفْصَاحِ: أَنَّ الْإِجْمَاعَ انْعَقَدَ عَلَى تَقْلِيدِ كُلٍّ مِنَ الْمَذَاهِبِ الْأَرْبَعَةِ وَأَنَّ الْحَقَّ لَا يَخْرُجُ عَنْهُمْ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّ الصَّحِيحَ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ: أَنَّ قَوْلَ مَنْ قَالَ: إِنَّهُ لَا يَجُوزُ إِلَّا تَوْلِيَةُ مُجْتَهِدٍ، فَإِنَّهُ إِنَّمَا عنى بِهِ مَا كَانَتِ الْحَالُ عَلَيْهِ قَبْلَ اسْتِقْرَارِ مَا اسْتَقَرَّ مِنَ هذه الْمَذَاهِبِ.

وَاخْتَارَ فِي التَّرْغِيبِ وَمُجْتَهِدًا فِي مَذْهَبِ إِمَامِهِ لِلضَّرُورَةِ. وَاخْتَارَ فِي الْإِفْصَاحِ وَالرِّعَايَةِ: أَوْ مُقَلِّدًا. وَقِيلَ: يُفْتِي بِهِ ضَرُورَةً. قَالَ ابْنُ بَشَّارٍ: مَا أَعِيبُ عَلَى مَنْ يَحْفَظُ خَمْسَ مَسَائِلَ لِأَحْمَدَ يُفْتِي بِهَا.

وَظَاهِرُ نَقْلِ عَبْدِ اللَّهِ: يُفْتِي غَيْرَ مُجْتَهِدٍ، ذَكَرَهُ الْقَاضِي، وَحَمَلَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ عَلَى الْحَاجَةِ. فَعَلَى هذا يُرَاعِي أَلْفَاظَ إِمَامِهِ وَمُتَأَخِّرَهَا وَتَقْلِيدَ كِبَارِ مَذْهَبِهِ فِي ذَلِكَ،

<<  <  ج: ص:  >  >>