صِفَتِهِ فِي الْبَاطِنِ. وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
حُكْمٌ بِشَهَادَةِ زُورٍ فَلَا يَحِلُّ لَهُ مَا كَانَ مُحَرَّمًا عَلَيْهِ، كَالْمَالِ الْمُطْلَقِ. (وَذَكَرَ ابْنُ أَبِي مُوسَى رِوَايَةً أَنَّهُ يُزِيلُ الْعُقُودَ وَالْفُسُوخَ) لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ أَنَّ رَجُلًا ادَّعَى عَلَى امْرَأَةٍ نِكَاحًا، فَرُفِعَا إِلَى عَلِيٍّ، فَشَهِدَ شَاهِدَانِ بِذَلِكَ، فَقَضَى بَيْنَهُمَا بِالزَّوْجِيَّةِ، فَقَالَتْ: وَاللَّهِ مَا تَزَوَّجَنِي، اعْقِدْ بَيْنَنَا عَقْدًا حَتَّى أَحِلَّ لَهُ. فَقَالَ: شَاهِدَاكِ زَوَّجَاكِ. فَعَلَى هَذَا: يَحِلُّ لِمُدَّعِي النِّكَاحِ وَطْءُ الْمَرْأَةِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهَا. وَالتَّصَرُّفُ فِي الْعَيْنِ الْمَبِيعَةِ. وَلِمَنْ عَلِمَ كَذِبَ شُهُودِ الطَّلَاقِ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِالْمَرْأَةِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ. وَحَدِيثُ عَلِيٍّ بِتَقْدِيرِ صِحَّتِهِ لَا حُجَّةَ فِيهِ ; لِأَنَّهُ أَضَافَ التَّزْوِيجَ إِلَى الشَّاهِدَيْنِ لَا إِلَى حُكْمِهِ. لَكِنَّ اللِّعَانَ يَنْفَسِخُ بِهِ النِّكَاحُ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا كَاذِبًا فَالْبَيِّنَةُ أَوْلَى.
وَجَوَابُهُ: بِأَنَّ اللِّعَانَ حَصَلَتْ بِهِ الْفُرْقَةُ لَا بِصِدْقِ الزَّوْجِ. وَلِهَذَا لَوْ قَامَتْ بِهِ الْبَيِّنَةُ لَمْ يَنْفَسِخِ النِّكَاحُ. لَكِنْ أَجَابَ حَنْبَلِيٌّ بِأَنَّ اللِّعَانَ وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِسَتْرِ الزَّانِيَةِ وَصِيَانَةِ النَّسَبِ، فَتَعَقَّبَ الْفَسْخُ الَّذِي لَا يُمْكِنُ الِانْفِكَاكُ إِلَّا بِهِ، وَمَا وَضَعَهُ الشَّرْعُ لِلْفَسْخِ بِهِ زَوَالُ الْمِلْكِ، وَلَيْسَ مِنْ مَسْأَلَتِنَا إِلَّا جَهْلُ الْحَاكِمِ بِبَاطِنِ الْأَمْرِ، وَعِلْمُهُمَا وَعِلْمُ الشُّهُودِ أَكْثَرُ مِنَ النَّصِّ فِي الدَّلَالَةِ ; لِأَنَّ النَّصَّ مَعْلُومٌ وَهَذَا مَحْسُوسٌ.
وَقَدَّمَ فِي الْمُحَرَّرِ كَالْمُقْنِعِ ثُمَّ اسْتَثْنَى: إِلَّا فِي أَمْرٍ مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ، فَإِنَّهُ عَلَى رِوَايَتَيْنِ. قَطَعَ فِي الْوَاضِحِ وَغَيْرِهِ: أَنَّهُ يُحِيلُ الشَّيْءَ عَنْ صِفَتِهِ فِي مُخْتَلَفٍ فِيهِ قَبْلَ الْحُكْمِ.
فَلَوْ حَكَمَ حَنَفِيٌّ لِحَنْبَلِيٍّ شُفْعَةَ جِوَارٍ، زَالَ بَاطِنًا فِي الْأَعْرَفِ. وَلَوْ حَكَمَ لِمُجْتَهِدٍ أَوْ عَلَيْهِ بِمَا يُخَالِفُ اجْتِهَادَهُ، عَمِلَ بَاطِنًا بِالْحُكْمِ. ذَكَرَهُ الْقَاضِي. وَقِيلَ: بِاجْتِهَادِهِ. وَإِنْ بَاعَ حَنْبَلِيٌّ - مَتْرُوكَ التَّسْمِيَةِ - فَحَكَمَ بِصِحَّتِهِ شَافِعِيٌّ، نَفَذَ عِنْدَ أَصْحَابِنَا إِلَّا أَبَا الْخَطَّابِ. وَعَلَى الْمَذْهَبِ، مَنْ حُكِمَ لَهُ بِزَوْجِيَّةِ امْرَأَةٍ بِبَيِّنَةِ زُورٍ، حَلَّتْ لَهُ حُكْمًا، ثُمَّ إِنْ وَطَأَ مَعَ الْعِلْمِ فَكَزِنًى، وَيُصْبِحُ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ، خِلَافًا لِلْمُؤَلِّفِ. وَإِنْ حَكَمَ بِطَلَاقِهَا ثَلَاثًا بِشُهُودٍ زُورٍ، فَهِيَ زَوْجَتُهُ بَاطِنًا، نَصَّ عَلَيْهِ. وَيُكْرَهُ أَنْ يَجْتَمِعَ بِهَا ظَاهِرًا، وَلَا يَصِحُّ نِكَاحُهَا غَيْرَهُ مِمَّنْ يَعْلَمُ الْحَالَ، نَصَّ عَلَيْهِ. فَإِنْ وَطِئَهَا فَهَلْ يُحَدُّ؟ فِيهِ وَجْهَانِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute