للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى ; لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ. وَإِنْ سَأَلَه مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ فَعَلَ ذَلِكَ وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، ونسخة يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ. وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ. فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ.

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

يَكْتُبَ لَهُ مَحْضَرًا بِمَا جَرَى، لِيُثْبِتَ حَقَّهُ أَوْ بَرَاءَتَهُ، لَزِمَهُ إِجَابَتُهُ) لِأَنَّ الْحَاكِمَ يَلْزَمُهُ إِجَابَةُ مَنْ سَأَلَهُ لِتَبْقَى حُجَّتُهُ فِي يَدِهِ. فَعَلَى هَذَا: إِذَا ثَبْتَ لَهُ حَقٌّ بِإِقْرَارٍ، فَسَأَلَهُ الْمُقَرُّ لَهُ أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِمَا ثَبَتَ عِنْدَهُ مِنَ الْإِقْرَارِ، لَزِمَهُ ذَلِكَ، وَلَوْ قُلْنَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ ; لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَنْسَى. وَإِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ حَقٌّ بِنُكُولِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ، أَوْ بِيَمِينِ الْمُدَّعِي بَعْدَ النُّكُولِ، فَسَأَلَهُ الْمُدَّعِي أَنْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ، لَزِمَهُ. لَا يُؤْمَنُ أَنْ يَتْرُكَ بَعْدَ ذَلِكَ وَيَحْلِفَ، وَلَا حُجَّةَ لِلْمُدَّعِي غَيْرُ الْإِشْهَادِ. فَأَمَّا إِنْ ثَبَتَ عِنْدَهُ بِبَيِّنَةٍ، فَسَأَلَهُ الْإِشْهَادَ، فَالْمَشْهُورُ: يَلْزَمُهُ، لِمَا فِيهِ مِنْ تَعْدِيلِ الْبَيِّنَةِ وَإِلْزَامِ خَصْمِهِ. وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ لَهُ بِالْحَقِّ بَيِّنَةً. وَإِنْ حَلَفَ الْمُنْكِرُ، وَسَأَلَ الْحَاكِمَ الْإِشْهَادَ عَلَى بَرَاءَتِهِ لَزِمَهُ ; لِيُكُونَ حُجَّةً لَهُ فِي سُقُوطِ الْمُطَالَبَةِ مَرَّةً أُخْرَى.

وَحَاصِلُهُ: أَنَّهُ يَكْتُبُ لَهُ مَحْضَرًا بِجَمِيعِ ذَلِكَ، فِي الْأَصَحِّ ; لِأَنَّهُ وَثِيقَةٌ لَهُ، فَهُوَ كَالْإِشْهَادِ، لِأَنَّ الشَّاهِدَيْنِ رُبَّمَا نَسِيَا الشَّهَادَةَ أَوْ نَسِيَا الْخَصْمَيْنِ.

وَقِيلَ: لَا يَلْزَمُهُ ; لِأَنَّ الْإِشْهَادَ يَكْفِيهِ. وَإِنْ سَأَلَهُ أَنْ يُسَجِّلَ بِهِ، فَهَلْ يَلْزَمُهُ؟ فِيهِ وَجْهَانِ؛ (وَإِنْ سَأَلَهُ مَنْ ثَبَتَ مَحْضَرُهُ عِنْدَ الْحَاكِمِ أَنْ يُسَجِّلَ لَهُ) أَيْ: كِتَابَتَهُ وَأَتَاهُ بِوَرَقَةٍ، لَزِمَهُ فِي الْأَصَحِّ. وَلِهَذَا قَالَ: (فَعَلَ ذَلِكَ) قَالَ أَحْمَدُ: إِذَا أَخَذَ السَّاعِي زَكَاتَهُ كَتَبَ لَهُ بَرَاءَةً.

وَقَالَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ: يَلْزَمُهُ إِنْ تَضَرَّرَ بِتَرْكِهِ. وَمَا تَضَمَّنَ الْحُكْمُ بِبَيِّنَةٍ سُجِّلَ وَغَيْرُهُ مَحْضَرٌ.

وَفِي الْمُغْنِي وَالتَّرْغِيبِ: الْمَحْضَرُ: شَرْحُ ثُبُوتِ الْحَقِّ عِنْدَهُ، لَا الْحُكْمُ بِثُبُوتِهِ. (وَجَعَلَهُ نُسْخَتَيْنِ: نُسْخَةً يَدْفَعُهَا إِلَيْهِ، وَنُسْخَةً يَحْبِسُهَا عِنْدَهُ) هَذَا هُوَ الْأَوْلَى، حَتَّى إِذَا هَلَكَتْ وَاحِدَةٌ بَقِيَتِ الْأُخْرَى. (وَالْوَرَقُ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ) لِأَنَّ ذَلِكَ مِنَ الْمَصَالِحِ. (فَإِنْ لَمْ يَكُنْ، فَمِنْ مَالِ الْمَكْتُوبِ لَهُ) لِأَنَّهُ الطَّالِبُ لِذَلِكَ، لِأَنَّ مُعْظَمَ الْحَاجَةِ لَهُ. فَإِنْ لَمْ يَأْتِهِ بِذَلِكَ لَمْ يَلْزَمْهُ ; لِأَنَّ عَلَيْهِ الْكِتَابَةَ دُونَ الْغُرْمِ.

تَنْبِيهٌ: مَنْ حُكِمَ لَهُ بِحَقٍّ بِحُجَّةٍ بِيَدِهِ، فَأَقْبَضَهُ الْمَحْكُومُ عَلَيْهِ الْحَقَّ، وَطَالَبَهُ بِتَسْلِيمِ الْحُجَّةِ، لَمْ يَلْزَمْهُ غَيْرُ الشَّهَادَةِ عَلَى نَفْسِهِ بِأَخْذِهِ. ذَكَرَهُ فِي الْمُسْتَوْعِبِ وَالرِّعَايَةِ ; لِأَنَّهُ رُبَّمَا خَرَجَ مَا قَبَضَهُ مُسْتَحَقًّا، فَيَحْتَاجُ إِلَى حُجَّةٍ تَخُصُّهُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>