للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَالْمُضَبَّبَ بِهِمَا، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا، وَاسْتِعْمَالُهَا عَلَى الرِّجَالِ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

الْبُخَارِيُّ، وَقَدْ وَرَدَ أَنَّهُ تَوَضَّأَ مِنْ جَفْنَةٍ، وَمِنْ تَوْرِ حِجَارَةٍ، وَمِنْ إِدَاوَةٍ، وَمِنْ قِرْبَةٍ، فَثَبَتَ الْحُكْمُ فِيهَا لِفِعْلِهِ، وَمَا فِي مَعْنَاهُ قِيَاسًا، لِأَنَّهُ مِثْلُهُ، وَلِأَنَّ الْعِلَّةَ الْمُحَرِّمَةَ لِلنَّقْدَيْنِ مَفْقُودَةٌ فِي الثَّمِينِ، لِكَوْنِهِ لَا يَعْرِفُهُ إِلَّا خَوَاصُّ النَّاسِ، فَلَا يُؤَدِّي إِلَى الْخُيَلَاءِ، وَكَسْرِ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَلِأَنَّ إِبَاحَتَهُ لَا تُفْضِي إِلَى اسْتِعْمَالِهِ لِقِلَّتِهِ، بِخِلَافِ النَّقْدَيْنِ فَإِنَّهُمَا فِي مَظِنَّةِ الْكَثْرَةِ، فَيُفْضِي إِلَى الِاسْتِعْمَالِ، وَكَثْرَةُ أَثْمَانِهَا لَا تَصْلُحُ فَارِقًا كَمَا فِي الثِّيَابِ، فَإِنَّهُ يَحْرُمُ الْحَرِيرُ، وَإِنْ قَلَّ ثَمَنُهُ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَإِنْ بَلَغَ ثَمَنُهُ أَضْعَافَ ثَمَنِ الْحَرِيرِ، وَكَذَلِكَ يُبَاحُ فَصُّ الْخَاتَمِ جَوْهَرَةً، وَلَوْ بَلَغَ ثَمَنُهَا مَهْمَا بَلَغَ، وَيَحْرُمُ ذَهَبًا، وَلَوْ كَانَ يَسِيرًا (إِلَّا آنِيَةَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ) حَتَّى الْمِيلَ وَنَحْوَهُ، (وَالْمُضَبَّبَ بِهِمَا) لِأَنَّ عِلَّةَ تَحْرِيمِ النَّقْدَيْنِ هِيَ الْخُيَلَاءُ، وَكَسْرُ قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ، وَهِيَ مَوْجُودَةٌ فِي الْمُضَبَّبِ بِهِمَا، وَيَأْتِي حُكْمُهَا (فَإِنَّهُ يَحْرُمُ اتِّخَاذُهَا) ذَكَرَ فِي " الشَّرْحِ " عَنْ شَيْخِهِ أَنَّهُ قَالَ: لَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ فِيمَا عَلِمْنَا فِي تَحْرِيمِ اتِّخَاذِ آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، بَلِ الْخِلَافُ فِيهِ مَشْهُورٌ، فَذَكَرَ ابْنُ تَمِيمٍ، وَصَاحِبُ " الْمُحَرَّرِ " رِوَايَةً، وَبَعْضُهُمْ حَكَاهُ وَجْهًا: أَنَّهُ لَا يَحْرُمُ الِاتِّخَاذُ وِفَاقًا لِلشَّافِعِيِّ، لِأَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنْ تَحْرِيمِ الِاسْتِعْمَالِ تَحْرِيمُ الِاتِّخَاذِ، كَمَا لَوِ اتَّخَذَ الرَّجُلُ ثِيَابَ الْحَرِيرِ، وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ التَّمِيمِيِّ: إِذَا اتَّخَذَ مِسْعَطًا، أَوْ قِنْدِيلًا، أَوْ نَعْلَيْنِ، أَوْ مِجْمَرَةً، أَوْ مِدْخَنَةً مِنَ النَّقْدَيْنِ كُرِهَ وَلَمْ يَحْرُمْ، وَالْأَوَّلُ هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ، وَفِي الْمَذْهَبِ، لِأَنَّ مَا حَرُمَ اسْتِعْمَالُهُ مُطْلَقًا حَرُمَ اتِّخَاذُهُ عَلَى هَيْئَةِ الِاسْتِعْمَالِ، كَالْمَلَاهِي، وَأَمَّا ثِيَابُ الْحَرِيرِ فَإِنَّهَا لَا تَحْرُمُ مُطْلَقًا، لِأَنَّهَا تُبَاحُ لِلنِّسَاءِ، وَتُبَاحُ لِلتِّجَارَةِ فِيهَا (وَاسْتِعْمَالُهَا) هَذَا مِمَّا اتُّفِقَ عَلَى تَحْرِيمِهِ، لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «لَا تَشْرَبُوا فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، وَلَا تَأْكُلُوا فِي صِحَافِهَا، فَإِنَّهَا لَهُمْ فِي الدُّنْيَا، وَلَكُمْ فِي الْآخِرَةِ» .

وَرَوَتْ أُمُّ سَلَمَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «الَّذِي يَشْرَبُ فِي آنِيَةِ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، إِنَّمَا يُجَرْجِرُ فِي بَطْنِهِ نَارَ جَهَنَّمَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِمَا، فَتَوَعَّدَ عَلَيْهِ بِالنَّارِ، فَدَلَّ عَلَى تَحْرِيمِهِ، وَالْجَرْجَرَةُ: هِيَ صَوْتُ

<<  <  ج: ص:  >  >>