للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عَلَيْهِ مِنْ طَرِيقِ الْحُكْمِ فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هو فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ، وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا، وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ،

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

فَكَذَلِكَ، وَإِنْ كَانَتْ مِنْ طَرِيقِ الْمُشَاهَدَةِ فَهُوَ بَيْنَهُمَا عَلَى كُلِّ حَالٍ) لِأَنَّ الْمُشَاهَدَةَ أَقْوَى مِنَ الْيَدِ الْحُكْمِيَّةِ، بِدَلِيلِ مَا لَوْ تَنَازَعَ الْخَيَّاطُ وَصَاحِبُ الدَّارِ الْإِبْرَةَ وَالْمِقَصَّ وَإِنْ كَانَ فِي يَدِ أَحَدِهِمَا الْمُشَاهَدَةُ فَهُوَ لَهُ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا تَرْجِيحَ مِمَّا خَرَجَ عَنِ الْمَسْكَنِ وَالدُّكَّانِ بِالصَّلَاحِيَّةِ فَقَطْ بِحَالٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُمَا يَدٌ حُكْمِيَّةٌ أَشْبَهَ سَائِرَ الْمُخْتَلِفَيْنِ (وَكُلُّ مَنْ قُلْنَا هو فَهُوَ لَهُ مَعَ يَمِينِهِ) لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَكُونَ لَهُ، فَشُرِّعَتِ الْيَمِينُ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ (إِذَا لَمْ تَكُنْ بَيِّنَةٌ) لِأَنَّهَا تُظْهِرُ الْحَقَّ (وَإِنْ كَانَ لِأَحَدِهِمَا بَيِّنَةٌ حَكَمَ لَهُ بِهَا) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَلَمْ يَحْلِفْ لِحَدِيثِ الْحَضْرَمِيِّ وَغَيْرِهِ، وَلِأَنَّ الْبَيِّنَةَ أَحَدُ حُجَّتَيِ الدَّعْوَى، فَيُكْتَفَى بِهَا كَالْيَمِينِ، وَهَذَا قَوْلُ أَهْلِ الْفُتْيَا مِنْ أَهْلِ الْأَمْصَارِ.

وَقَالَ شُرَيْحٌ وَالنَّخَعِيُّ وَالشَّعْبِيُّ وَابْنُ أَبِي لَيْلَى: يُسْتَحْلَفُ الرَّجُلُ مَعَ بَيِّنَتِهِ. قِيلَ لِشُرَيْحٍ: مَا هَذَا الَّذِي أَحْدَثْتَ فِي الْقَضَاءِ؛ فَقَالَ: رَأَيْتُ النَّاسَ أَحْدَثُوا فَأَحْدَثْتُ. قَالَ الشَّيْخُ شَمْسُ الدِّينِ ابْنُ الْقَيَّمِ: وَهَذَا لَيْسَ بِبَعِيدٍ، لَا سِيَّمَا مَعَ التُّهْمَةِ، وَيَخْرُجُ فِي مَذْهَبِ أَحْمَدَ وَجْهَانِ.

قَالَ الْخَلَّالُ فِي جَامِعِهِ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ، حَدَّثَنَا مُهَنَّا، قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنِ الرَّجُلِ يُقِيمُ الشُّهُودَ، أَيَسْتَقِيمُ لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقُولَ لِصَاحِبِ الشُّهُودِ: احْلِفْ؛ قَالَ: قَدْ فَعَلَ ذَلِكَ عَلِيٌّ.

قُلْتُ: مَنْ ذَكَرَهُ؛ قَالَ: ثَنَا حَفْصُ بْنُ غِيَاثٍ، ثَنَا ابْنُ أَبِي لَيْلَى، عَنِ الْحَكَمِ، عَنْ حُنَيْسٍ، قَالَ: اسْتَحْلَفَ عَلِيٌّ عُبَيْدَ اللَّهِ بْنَ الْحُرِّ الشُّهُودَ (وَإِنْ كَانَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بَيِّنَةٌ) وَهِيَ بِيَدِ أَحَدِهِمَا، أُقِيمَتْ بَيِّنَةُ مُنْكِرٍ بَعْدَ زَوَالِ يَدِهِ أَوْ لَا، (حَكَمَ بِهَا لِلْمُدَّعِي فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ) وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْهُ، وَقَالَهُ الْخِرَقِيُّ، وَنَصَرَهُ فِي الشَّرْحِ، وَجَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَ الْبَيِّنَةَ فِي جَنَبَةِ المدعي بِقَوْلِهِ: «الْبَيِّنَةُ عَلَى الْمُدَّعِي» فَلَا يَبْقَى فِي جَنَبَةِ الْمُدَّعَى عَلَيْهِ بَيِّنَةٌ، وَلِأَنَّ بَيِّنَةَ الْمُدَّعِي أَكْثَرُ فَائِدَةً؛ لِأَنَّهَا تُثْبِتُ شَيْئًا لَمْ يَكُنْ، فَوَجَبَ تَقْدِيمُهَا كَبَيِّنَةِ الْجُرْحِ عَلَى التَّعْدِيلِ، وَبَيِّنَةُ الْمُنْكِرِ إِنَّمَا تُثْبِتُ ظَاهِرًا دَلَّتِ الْيَدُ عَلَيْهِ فَلَمْ تُفِدْ، وَلِأَنَّهُ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مُسْتَنَدُ بَيِّنَةِ الْمُنْكِرِ رُؤْيَةَ التَّصَرُّفِ، وَمُشَاهَدَةُ الْيَدِ أَشْبَهَتِ الْيَدَ الْمُفْرَدَةَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>