أَصْحَابِنَا مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْمُزْنَى بِهَا وَلَا ذِكْرِ الْمَكَانِ، وإن شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ، وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ وَصِفَةَ الْقَذْفِ، وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ لَمْ يُحْكَمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ، وَإِنْ شَهِدَا أَنَّهُ اشْتَرَاهَا مِنْ فُلَانٍ أَوْ وَقَفَهَا عَلَيْهِ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
ذَكَرَهُ فِي فَرْجِهَا) لِأَنَّ اسْمَ الزِّنَى يُطْلَقُ عَلَى مَا لَا يُوجِبُ الْحَدَّ، وَقَدْ يَعْتَقِدُ الشَّاهِدُ مَا لَيْسَ بِزِنَى زِنًى، فَاعْتُبِرَ ذِكْرُ صِفَتِهِ؛ لِيَزُولَ الِاحْتِمَالُ، وَلِأَنَّهُ إِذَا اعْتُبِرَ التَّصْرِيحُ فِي الْإِقْرَارِ كَانَ اعْتِبَارُهُ فِي الشَّهَادَةِ أَوْلَى، وَقَدْ تَكُونُ الْمَرْأَةُ مِمَّنْ يَحِلُّ لَهُ وَطْؤُهَا، أَوْ لَهُ فِيهِ شُبْهَةٌ، وَقَدْ تَكُونُ الشَّهَادَةُ عَلَى فِعْلَيْنِ، فَاعْتُبِرَ الْمَكَانُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرِ الشُّهُودُ ذَلِكَ سَأَلَهُمُ الْحَاكِمُ عَنْهُ، (وَمِنْ أَصْحَابِنَا) ، وَهُوَ ابْنُ حَامِدٍ، (مَنْ قَالَ: لَا يَحْتَاجُ إِلَى ذِكْرِ الْمَزْنِيِّ بِهَا، وَلَا ذِكْرِ الْمَكَانِ) لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ ذِكْرُهُمَا فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الشَّهَادَةِ فِي رَجْمِ الْيَهُودِيَّيْنِ ذِكْرُ الْمَكَانِ، وَكَذَا لَا يُشْتَرَطُ أَيْضًا ذِكْرُ الزَّمَانِ؛ لِأَنَّ الْأَزْمِنَةَ فِي الزِّنَى وَاحِدَةٌ لَا تَخْتَلِفُ، وَفِيهِ وَجْهٌ: بَلَى، لِتَكُونَ شَهَادَتُهُمْ عَلَى فِعْلٍ وَاحِدٍ، وَتُقْبَلُ بِحَدٍّ قَدِيمٍ كَالْقِصَاصِ، وَقَالَ ابْنُ أَبِي مُوسَى: لَا تُقْبَلُ، لِقَوْلِ عُمَرَ (وَإِنْ شَهِدَ بِالسَّرِقَةِ، فَلَا بُدَّ مِنْ ذِكْرِ الْمَسْرُوقِ مِنْهُ، وَالنِّصَابِ وَالْحِرْزِ، وَصِفَةِ السَّرِقَةِ) ، لِأَنَّ الْحُكْمَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِهَا، وَلِتَتَمَيَّزَ السَّرِقَةُ الْمُوجِبَةُ لِلْقَطْعِ مِنْ غَيْرِهَا (وَإِنْ شَهِدَ بِالْقَذْفِ ذَكَرَ الْمَقْذُوفَ وَصِفَةَ الْقَذْفِ) وَيَذْكُرُ الْقَاذِفَ، وَقِيلَ: وَأَيْنَ؛ وَمَتَى؛ (وَإِنْ شَهِدَ أَنَّ هَذَا الْعَبْدَ ابْنُ أَمَةِ فُلَانٍ لَمْ يَحْكُمْ لَهُ بِهِ حَتَّى يَقُولَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ) جَزَمَ بِهِ فِي الْوَجِيزِ وَالشَّرْحِ، وَقَدَّمَهُ فِي الرِّعَايَةِ، لِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ وَلَدَتْهُ قَبْلَ تَمَلُّكِهَا. وَقِيلَ: لَا يُشْتَرَطُ قَوْلُهُمَا: وَلَدَتْهُ فِي مِلْكِهِ. فَإِنْ قَالَا: فِي مِلْكِهِ. صَحَّ؛ لِأَنَّهَا شَهِدَتْ أَنَّهُ نَمَاءُ مِلْكِهِ، وَنَمَاءُ مِلْكِهِ لَهُ مَا لَمْ يَرِدْ نَقْلُهُ عَنْهُ. فَإِنْ قِيلَ: قَدْ قُلْتُمْ: لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ بِالْمِلْكِ السَّابِقِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَهَذِهِ شَهَادَةٌ بِمِلْكٍ سَابِقٍ، قُلْنَا: الْفَرْقُ ـ عَلَى تَقْدِيرِ التَّسْلِيمِ ـ النَّمَاء تَابِعٌ لِلْمِلْكِ فِي الْأَصْلِ، فَإِثْبَاتُ مِلْكِهِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي عَلَى وَجْهِ التَّبَعِ، وَجَرَى مَجْرَى مَا لَوْ قَالَ: مَلَكَهُ مُنْذُ سَنَةٍ، وَأَقَامَ الْبَيِّنَةَ بِهِ، فَإِنَّ مِلْكَهُ ثَبَتَ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي تَبَعًا لِلْحَالِ، فَيَكُونُ لَهُ النَّمَاءُ فِيمَا مَضَى؛ لِأَنَّ الْبَيِّنَةَ هُنَا شَهِدَتْ بِسَبَبِ الْمِلْكِ فَقَوِيَتْ بِذَلِكَ.
وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَتْ بِالسَّبَبِ فِي الزَّمَنِ الْمَاضِي، فَقَالَ: أَقْرَضْتُهُ أَلْفًا، ثَبَتَ الْمِلْكُ، وَإِنْ لَمْ يَذْكُرْهُ فَمَعَ ذِكْرِهِ أَوْلَى.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute