للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تَشْدِيدَةً، فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا، أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا، أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ، أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ، لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، فَإِذَا قَالَ: {وَلا الضَّالِّينَ} [الفاتحة: ٧] قَالَ: آمِينَ يَجْهَرُ بِهَا الْإِمَامُ

ــ

[المبدع في شرح المقنع]

وَأُمَّ الْقُرْآنِ، لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ تَقْرِيرُ أُمُورِ الْإِلَهِيَّاتِ، وَالْمَعَادِ، وَالنُّبُوَّاتِ، وَإِثْبَاتِ الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ لِلَّهِ تَعَالَى فَالْحَمْدُ لِلَّهِ) إِلَى (الرَّحِيمِ) يَدُلُّ عَلَى الْإِلَهِيَّاتِ، و {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} [الفاتحة: ٤] يَدُلُّ عَلَى الْمَعَادِ و {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} [الفاتحة: ٥] يَدُلُّ عَلَى نَفْيِ الْجَبْرِ وَالْقَدَرِ، وَعَلَى إِثْبَاتِ أَنَّ الْكُلَّ بِقَضَاءِ اللَّهِ تَعَالَى، و {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} [الفاتحة: ٦] إِلَى آخِرِهَا يَدُلُّ عَلَى الثَّوَابِ، وَتُسَمَّى الشِّفَاءَ، وَالشَّافِيَةَ، وَالسُّؤَالَ، وَالدُّعَاءَ، وَقَالَ الْحَسَنُ: أَوْدَعَ اللَّهُ تَعَالَى فِيهَا مَعَانِيَ الْقُرْآنِ كَمَا أَوْدَعَ فِيها مَعْنَى الْكُتُبِ السَّابِقَةِ، وَهِيَ أَفْضَلُ سُورَةٍ، قَالَهُ ابْنُ شِهَابٍ، وَغَيْرُهُ، وَهِيَ مَكِّيَّةٌ، وَقَالَ مُجَاهِدٌ: مَدَنِيَّةٌ، وَخُطِّئَ فِي ذَلِكَ، وَقِيلَ: نَزَلَتْ مَرَّتَيْنِ فَهِيَ مَكِّيَّةٌ مَدَنِيَّةٌ (وَفِيهَا إِحْدَى عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً) بِغَيْرِ خِلَافٍ، وَهَذَا عَلَى الْمَذْهَبِ، وَعَلَى أَنَّ الْبَسْمَلَةَ آيَةٌ مِنْهَا، فَيَصِيرُ فِيهَا أَرْبَعَةَ عَشْرَةَ تَشْدِيدَةً، لِأَنَّ فِيهَا ثَلَاثَةً، وَيَلْزَمُهُ أَنْ يَأْتِيَ بِقِرَاءَتِهَا مُرَتَّبَةً مُشَدَّدَةً غَيْرَ مَلْحُونٍ فِيهَا لَحْنًا يُحِيلُ الْمَعْنَى، مِثْلَ كَسْرِ كَافِ (إِيَّاكَ) أَوْ ضَمِّ تَاءِ (أَنْعَمْتَ) أَوْ فَتْحِ هَمْزَةَ الْوَصْلِ فِي (اهْدِنَا)

١ -

(فَإِنْ تَرَكَ تَرْتِيبَهَا أَوْ تَشْدِيدَةً مِنْهَا أَوْ قَطَعَهَا بِذِكْرٍ كَثِيرٍ أَوْ سُكُوتٍ طَوِيلٍ لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا) وَفِيهِ مَسَائِلُ.

الْأُولَى: إِذَا تَرَكَ تَرْتِيبَ الْفَاتِحَةِ ابْتَدَأَهَا، لِأَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَانَ يَقْرَؤُهَا مُرَتَّبَةً مُتَوَالِيَةً، وَقَالَ: «صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَلِأَنَّ الْقُرْآنَ مُعْجِزٌ، وَالْإِعْجَازُ يَتَعَلَّقُ بِالنَّظْمِ وَالتَّرْتِيبِ، وَهِيَ رُكْنٌ، فَلَمْ يَجُزْ تَنْكِيسُهَا كَتَكْبِيرَةِ الْإِحْرَامِ.

الثَّانِيَةُ: إِذَا تَرَكَ شَدَّةً مِنْهَا لَزِمَهُ اسْتِئْنَافُهَا، لِأَنَّ الشَّدَةَ أُقِيمَتْ مَقَامَ حَرْفٍ، وَمَنْ تَرَكَ حَرْفًا مِنْهَا فَكَأَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْهَا، لِأَنَّ الْمُرَكَّبَ يَنْعَدِمُ بِعَدَمِ جُزْءٍ مِنْ أَجْزَائِهِ، وَذَكَرَ الْقَاضِي فِي " الْجَامِعِ " أَنَّهَا لَا تَبْطُلُ بِتَرْكِ شَدَّةٍ لأنها غير ثَابِتَةٍ فِي خَطِّ الْمُصْحَفِ، وَإِنَّمَا هِيَ صِفَةٌ لِلْحَرْفِ، وَيُسَمَّى تَارِكُهَا قَارِئًا لِلْفَاتِحَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ الْمَذْهَبُ أَنَّهُ إِذَا لَيَّنَهَا، وَلَمْ يُحَقِّقْهَا عَلَى الْكَمَالِ أَنَّهُ لَا يُعِيدُ الصَّلَاةَ، لِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُحِيلُ الْمَعْنَى، وَيَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ النَّاسِ، قَالَ فِي " الْمُغْنِي " و" الشَّرْحِ ": وَلَعَلَّهُ إِنَّمَا أَرَادَ فِي " الْجَامِعِ " هَذَا الْمَعْنَى فَيَكُونُ قَوْلُهُ مُتَّفِقًا، وَفِيهِ نَظَرٌ.

<<  <  ج: ص:  >  >>