عِلَّتِهِ، وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا. فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ،
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
فَصَلَّى جَالِسًا، وَصَلَّى وَرَاءَهُ قَوْمٌ قِيَامًا، فَأَشَارَ إِلَيْهِمْ أَنِ اجْلِسُوا، فَلَمَّا انْصَرَفَ قَالَ: إِنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ، إِلَى قَوْلِهِ: وَإِذَا صَلَّى جَالِسًا فَصَلُّوا جُلُوسًا أَجْمَعُونَ» .
قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: رُوِيَ هَذَا مَرْفُوعًا مِنْ طُرُقٍ مُتَوَاتِرَةٍ، وَلِأَنَّ إِمَامَ الْحَيِّ يَحْتَاجُ إِلَى تَقْدِيمِهِ، بِخِلَافِ غَيْرِهِ، وَالْقِيَامُ أَخَفُّ بِدَلِيلِ سُقُوطِهِ فِي النَّفْلِ (الْمَرْجُوَّ زَوَالُ عِلَّتِهِ) لِئَلَّا يُفْضِيَ إِلَى تَرْكِ الْقِيَامِ عَلَى الدَّوَامِ، أَوْ مُخَالَفَةِ الْخَبَرِ، وَلَا حَاجَةَ إِلَيْهِ، وَالْأَصْلُ فِيهِ فِعْلُهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -، وَكَانَ يُرْجَى بُرْؤُهُ، وَعَنْهُ: يَصِحُّ مَعَ غَيْرِ إِمَامِ الْحَيِّ، وَإِنْ لَمْ يُرْجَ زَوَالُهُ (وَيُصَلُّونَ وَرَاءَهُ جُلُوسًا) لِمَا تَقَدَّمَ، قَالَ فِي الْخِلَافِ: هَذَا اسْتِحْسَانٌ، وَالْقِيَاسُ لَا تَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - «صَلَّى فِي مَرَضِ مَوْتِهِ قَاعِدًا، وَصَلَّى أَبُو بَكْرٍ، وَالنَّاسُ خَلْفَهُ قِيَامًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ، وَأَجَابَ أَحْمَدُ عَنْهُ، بِأَنَّهُ لَا حُجَّةَ فِيهِ؛ لِأَنَّ أَبَا بَكْرٍ ابْتَدَأَ بِهِمْ قَائِمًا فَيُتِمُّهَا كَذَلِكَ، وَالْجَمْعُ أَوْلَى مِنَ النَّسْخِ، ثُمَّ يُحْتَمَلُ أَنَّ أَبَا بَكْرٍ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ.
قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صَلَّى فِي مَرَضِهِ خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ فِي ثَوْبٍ مُتَوَشِّحًا» وَرَوَاهُ أَنَسٌ أَيْضًا، وَصَحَّحَهُمَا التِّرْمِذِيُّ، قَالَ: وَلَا نَعْرِفُ أَنَّهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - صَلَّى خَلْفَ أَبِي بَكْرٍ إِلَّا فِي هَذَا الْحَدِيثِ.
قَالَ مَالِكٌ: الْعَمَلُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا، لَا يُقَالُ: لَوْ كَانَ هُوَ الْإِمَامُ، لَكَانَ عَنْ يَسَارِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -، وَفِي الصَّحِيحِ: أَنَّهُ كَانَ عَنْ يَسَارِ أَبِي بَكْرٍ؛ لِأَنَّهُ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ فَعَلَ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ خَلْفَهُ صَفٌّ، وَفَعَلَ مِثْلَ قَوْلِنَا أُسَيْدُ بْنُ حَضِيرٍ، وَجَابِرٌ، وَقَيْسُ بْنُ فِهْرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ لَهُ أَنْ يَسْتَخْلِفَ؛ لِأَنَّ النَّاسَ مُخْتَلِفُونَ فِي صِحَّةِ إِمَامَتِهِ، مَعَ أَنَّ صَلَاةَ الْقَائِمِ أَكْمَلُ، وَكَمَالُهَا مَطْلُوبٌ (فَإِنْ صَلَّوْا قِيَامًا صَحَّتْ صَلَاتُهُمْ فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ) هَذَا هُوَ
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute