يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ، وَلَا يُجْزِئُ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ مَسَحَاتٍ، إِمَّا بِحَجَرٍ ذِي شُعَبٍ، أَوْ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
أَحْجَارٍ فَإِنَّهَا تُجْزِئُ عَنْهُ» .
وَالثَّانِيَةُ، وَاخْتَارَهَا أَبُو بَكْرٍ، وَهِيَ قَوْلُ دَاوُدَ: لَا يُجْزِئُ إِلَّا الْأَحْجَارُ، لِأَنَّهُ نَصَّ عَلَيْهَا، وَعَلَّقَ الْإِجْزَاءَ بِهَا. وَالْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّ الْمُرَادَ بِالْأَحْجَارِ كُلُّ مُسْتَجْمَرٍ، فَيَدْخُلُ فِيهِ جَمِيعُ الْجَامِدَاتِ، وَلِقَوْلِ سَلْمَانَ: «أَمَرَنَا - عَلَيْهِ السَّلَامُ - أَنْ لَا نَكْتَفِيَ بِدُونِ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ لَيْسَ فِيهَا رَجِيعٌ، وَلَا عَظْمٌ» فَلَوْلَا أَنَّهُ يَعُمُّ الْجَمِيعَ لَمْ يَكُنْ لِاسْتِثْنَاءِ الرَّجِيعِ وَالْعَظْمِ مَعْنًى.
وَإِنَّمَا خَصَّ الْحَجَرَ بِالذِّكْرِ، لِأَنَّهُ أَعَمُّ الْجَامِدَاتِ وُجُودًا، وَأَشْمَلُهَا تَنَاوُلًا، لَا يُقَالُ: الْمُرَادُ بِالرَّجِيعِ الْحَجَرُ الْمُسْتَجْمَرُ بِهِ مَرَّةً، لِأَنَّهُ فِي اللُّغَةِ اسْمُ الرَّوْثِ، سُمِّيَ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْحَيَوَانَ رَجَعَهُ بَعْدَ أَنْ أَكَلَهُ، يُؤَيِّدُهُ مَا رَوَاهُ أَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ رُوَيْفِعِ بْنِ ثَابِتٍ مَرْفُوعًا: «مَنِ اسْتَجْمَرَ بِرَجِيعِ دَابَّةٍ فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ» .
(إِلَّا الرَّوْثَ، وَالْعِظَامَ، وَالطَّعَامَ، وَمَا لَهُ حُرْمَةٌ، وَمَا يَتَّصِلُ بِالْحَيَوَانِ) لِمَا رَوَى ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تَسْتَنْجُوا بِالرَّوْثِ، وَلَا بِالْعِظَامِ، فَإِنَّهُ زَادُ إِخْوَانِكُمْ مِنَ الْجِنِّ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَفِي رِوَايَةٍ: «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - نَهَى أَنْ يُسْتَنْجَى بِرَوْثٍ أَوْ عَظْمٍ، وَقَالَ: إِنَّهُمَا لَا يُطَهِّرَانِ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيُّ، وَقَالَ: إِسْنَادٌ صَحِيحٌ، وَإِذَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي طَعَامِ الْجِنِّ، فَفِي طَعَامِ الْآدَمِيِّ أَوْلَى، وَبِالْجُمْلَةِ فَيُشْتَرَطُ فِي الْمُسْتَجْمَرِ بِهِ شُرُوطٌ:
الْأَوَّلُ: أَنْ يَكُونَ جَامِدًا، لِأَنَّ الْمَائِعَ إِنْ كَانَ مَاءً، فَهُوَ اسْتِنْجَاءٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَهُ امْتَزَجَ بِالْخَارِجِ، فَيَزِيدُ الْمَحَلَّ نَجَاسَةً، وَيُؤْخَذُ هَذَا مِنْ تَمْثِيلِهِ بِالْحَجَرِ وَالْخِرَقِ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute