وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنْيَةٍ مِنَ النَّهَارِ قَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ، وَقَالَ الْقَاضِي: لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ.
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
الْعِبَادَةِ، لَكِنْ لَمَّا شَقَّ اعْتِبَارُ حَقِيقَتِهَا اعْتُبِرَ بِنَاءُ حُكْمِهَا، وَهُوَ أَنْ لَا يَنْوِيَ قَطْعَهَا، فَإِذَا نَوَاهُ زَالَتْ حَقِيقَةً وَحُكْمًا، وَقَالَ ابْنُ حَامِدٍ: لَا تَبْطُلُ كَالْحَجِّ مَعَ بُطْلَانِ الصَّلَاةِ عِنْدَهُ، وَأُجِيبَ بِأَنَّ الْحَجَّ يَصِحُّ بِنِيَّةٍ مُطْلَقَةٍ وَمُبْهَمَةٍ، وَقَوْلُهُ: أَفْطَرَ أَيْ: صَارَ كَمَنْ لَمْ يَنْوِ لَا كَمَنْ أَكَلَ. فَلَوْ كَانَ فِي نَفْلٍ يَقْطَعُهُ ثُمَّ نَوَاهُ جَازَ نَصَّ عَلَيْهِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي نَذْرٍ أَوْ كَفَّارَةٍ أَوْ قَضَاءٍ فَقَطَعَ بِنِيَّتِهِ ثُمَّ نَوَى نَفْلًا جَازَ، وَلَوْ قُلْتَ: نِيَّةُ نَذْرٍ وَقَضَاءٍ إِلَى النَّفْلِ فَكَمَنِ انْتَقَلَ مِنْ فَرْضِ صَلَاةٍ إِلَى نَفْلِهَا، وَعَلَى الْمَذْهَبِ: لَوْ تَرَدَّدَ فِي الْفِطْرِ، أَوْ نَوَى أَنَّهُ سَيُفْطِرُ سَاعَةً أُخْرَى، أَوْ إِنْ وَجَدْتُ طَعَامًا، أَكَلْتُ وَإِلَّا أَتْمَمْتُ، فَكَالْخِلَافِ فِي الصَّلَاةِ، (وَيَصِحُّ صَوْمُ النَّفْلِ بِنِيَّةٍ مِنَ النَّهَارِ وَقَبْلَ الزَّوَالِ وَبَعْدَهُ) نَصَّ عَلَيْهِ، وَاخْتَارَهُ أَكْثَرُ الْأَصْحَابِ، مِنْهُمُ الْقَاضِي فِي أَكْثَرِ تَصَانِيفِهِ، لِمَا رَوَتْ عَائِشَةُ قَالَتْ: «دَخَلَ عَلَيَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ: هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ؟ قُلْنَا: لَا قَالَ: فَإِنِّي إِذًا صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ عَاشُورَاءَ، وَلِأَنَّ الصَّلَاةَ خُفِّفَ نَفْلُهَا عَنْ فَرْضِهَا فَكَذَا الصَّوْمُ، وَلِمَا فِيهِ مِنْ تَكْثِيرِهِ؛ لِكَوْنِهِ يَعِنُّ لَهُ مِنَ النَّهَارِ فَعُفِيَ عَنْهُ، (وَقَالَ الْقَاضِي) فِي " الْمُجَرَّدِ " وَتَبِعَهُ ابْنُ عَقِيلٍ (لَا يُجْزِئُ بَعْدَ الزَّوَالِ) لِأَنَّ فِعْلَهُ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - إِنَّمَا هُوَ فِي الْغَدَاءِ، وَهُوَ قَبْلَ الزَّوَالِ، وَلِأَنَّ النِّيَّةَ لَمْ تَصْحَبِ الْعِبَادَةَ فِي مُعْظَمِهَا، أَشْبَهُ مَا لَوْ نَوَى مَعَ الْغُرُوبِ، وَأُجِيبَ بِأَنَّهُ نَوَى فِي جُزْءٍ مِنْهُ يَصِحُّ كَأَوَّلِهِ، وَجَمِيعُ اللَّيْلِ وَقْتٌ لِنِيَّةِ الْفَرْضِ، فَكَذَا النَّهَارُ وَشَرْطُهُ أَنْ لَا يَكُونَ فَعَلَ مَا يُفْطِرُهُ قَبْلَ النِّيَّةِ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يُجْزِئُهُ الصَّوْمُ بِغَيْرِ خِلَافٍ نَعْلَمُهُ، قَالَهُ فِي " الشَّرْحِ " وَخَالَفَ فِيهِ أَبُو زَيْدٍ الشَّافِعِيُّ، وَيُحْكَمُ بِالصَّوْمِ الشَّرْعِيِّ الْمُثَابِ عَلَيْهِ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ فِي الْأَظْهَرِ، وَفِي " الْمُجَرَّدِ " وَ " الْهِدَايَةِ " مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ، وَقَالَهُ حَمَّادٌ، وَإِسْحَاقُ إِنْ نَوَاهُ قَبْلَ الزَّوَالِ فَعَلَى الْأَوَّلِ تَطَوُّعُ حَائِضٍ طَهُرَتْ، وَكَافِرٍ أَسْلَمَ فِي يَوْمٍ، وَلَمْ يَأْكُلَا يَصُومَا بَقِيَّةَ الْيَوْمِ، وَعَلَى الثَّانِي: لَا، لِامْتِنَاعِ تَبْعِيضِ صَوْمِ الْيَوْمِ. قَالَ فِي " الْفُرُوعِ ": وَيَتَوَجَّهُ يُحْتَمَلُ أَنْ لَا يَصِحَّ عَلَيْهِمَا؛ لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ مِنْهُمَا صَوْمٌ.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute