وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ
وَإِنْ طَارَ إِلَى حَلْقِهِ ذُبَابٌ، أَوْ غُبَارٌ، أَوْ قَطَرَ
ــ
[المبدع في شرح المقنع]
وَاعْتَضَدَتْ بِعَمَلِ الصَّحَابَةِ، وَلَوْ سَلِمَ فَحَدِيثُهُمْ فِعْلٌ، وَتِلْكَ قَوْلٌ، وَهُوَ مُقَدَّمٌ لِعَدَمِ عُمُومِ الْفِعْلِ، وَاحْتِمَالِ أَنَّهُ خَاصٌّ بِهِ، وَنَسْخُ حَدِيثِهِمْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ مُوَافِقٌ لِحُكْمِ الْأَصْلِ فَنَسْخُهُ يَلْزَمُ مِنْهُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّةً وَاحِدَةً بِخِلَافِ نَسْخِ حَدِيثِنَا؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مُخَالَفَةُ الْأَصْلِ مَرَّتَيْنِ، وَذَكَرَ الْخِرَقِيُّ: احْتَجَمَ، وَلَمْ يَذْكُرْ حَجَمَ، وَالْمَذْهَبُ التَّسْوِيَةُ لِلْخَبَرِ، وَلَعَلَّ مُرَادَهُ أَنَّهُ يُفْطِرُ الْحَاجِمُ إِنْ مَصَّ الْقَارُورَةَ، وَالْحَجْمُ فِي السَّاقِ كَالْحَجْمِ فِي الْقَفَا نَصَّ عَلَيْهِ. وَظَاهِرُ كَلَامِ أَحْمَدَ وَمُعْظَمِ الْأَصْحَابِ: لَا فِطْرَ إِنْ لَمْ يَظْهَرْ دَمٌ، وَاخْتَارَ ابْنُ عَقِيلٍ وَجَمْعٌ أَنَّهُ يُفْطِرُ. وَلَوْ جَرَحَ نَفْسَهُ لَا لِلتَّدَاوِي بَدَلَ الْحِجَامَةِ لَمْ يُفْطِرْ. وَظَاهِرُهُ لَا يُفْطِرُ بِالْفَصْدِ لِأَنَّ الْقِيَاسَ لَا يَقْتَضِيهِ، وَالثَّانِي بَلَى، وَصَحَّحَهُ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ فَعَلَى هَذَا فِي الشَّرْطِ احْتِمَالَانِ، وَلَا فِطْرَ بِغَيْرِ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ الشَّيْخُ تَقِيُّ الدِّينِ أَنَّهُ يُفْطِرُ إِذَا أَخْرَجَ دَمَهُ بِرُعَافٍ وَغَيْرِهِ، وَقَالَهُ الْأَوْزَاعِيُّ فِي الرُّعَافِ.
(عَامِدًا) أَيْ: قَاصِدًا لِلْفِعْلِ لِأَنَّ مَنْ لَمْ يَقْصِدْ فَهُوَ غافل غير مُكَلَّفٌ، وَإِلَّا يَلْزَمُ تَكْلِيفُ مَا لَا يُطَاقُ.
(ذَاكِرًا) أَيْ: غَيْرَ نَاسٍ (لِصَوْمِهِ فَسَدَ صَوْمُهُ) فِي الصُّوَرِ السَّابِقَةِ كُلِّهَا، وَيَجِبُ الْقَضَاءُ إِنْ كَانَ وَاجِبًا (وَإِنْ كَانَ مُكْرَهًا أَوْ نَاسِيًا، لَمْ يَفْسُدْ) صَوْمُهُ، وَأَجْزَأَهُ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: «عُفِيَ لِأُمَّتِي عَنِ الْخَطَأِ وَالنِّسْيَانِ وَمَا اسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ مَرْفُوعًا «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ، فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ، وَسَقَاهُ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ، وَلِلدَّارَقُطْنِيِّ مَعْنَاهُ. وَزَادَ، «وَلَا قَضَاءَ» وَلِلْحَاكِمِ، وَقَالَ: عَلَى شَرْطِ مُسْلِمٍ «مَنْ أَكَلَ فِي رَمَضَانَ نَاسِيًا، فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا كَفَّارَةَ» وَظَاهِرُهُ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْوَعِيدِ، وَالْإِلْجَاءِ نَصَّ عَلَيْهِ، كَالنَّاسِي بَلْ أَوْلَى بِدَلِيلِ الْإِتْلَافِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ النَّائِمُ إِذَا فُعِلَ بِهِ شَيْءٌ، بَلْ هُوَ كَالنَّاسِي لِعَدَمِ قَصْدِهِ، وَقَالَ ابْنُ عَقِيلٍ: يُحْتَمَلُ عِنْدِي أَنَّهُ يُفْطِرُ بِالْوَعِيدِ؛ لِأَنَّهُ فَعَلَ دَفْعًا لِلضَّرَرِ عَنْ نَفْسِهِ فِيهِ كَالْمَرِيضِ. وَلَوْ أَوْجَرَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ مُعَالَجَةً لَمْ يُفْطِرْ، وَقِيلَ: بَلَى لِرِضَاهُ ظَاهِرًا فَكَأَنَّهُ قَصَدَهُ، وَكَالْجَاهِلِ بِالتَّحْرِيمِ نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْحِجَامَةِ، وَكَالْجَهْلِ بِالْوَقْتِ وَالنِّسْيَانِ يَكْثُرُ وَفِي
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.ws/page/contribute