عباد الله: لقد اشتغلت بعض المجتمعات الإسلامية بما ورد من الآثار عن ليلة النصف من شعبان، واعتمدت ما سطر في بعض الكتب من تخصيص ليلة النصف من شعبان بدعاء يقرأ فرادى وجماعات، يتخلله قراءة سورة يس، مرة يقرءون وينوون به طول العمر، ومرة ينوون به دفع البلاء، ومرة ينوون به الاستغناء عن الناس.
فمع الأسف الشديد -يا أمة الإسلام- اجتهد العلماء الجهابذة المحققون فلم يجدوا ذلك في كتاب الله ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يفعله أبو بكر الصديق، ولا عمر الفاروق، ولا عثمان بن عفان، ولا علي بن أبي طالب، والخلفاء الراشدون رضي الله عنهم أجمعين، ولا فعله سائر الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين.
إذا علم أنه من وضع المبتدعين في الدين فكل بدعة ضلالة؛ كما أخبرنا بذلك سيد المرسلين وإمام المتقين صلوات الله وسلامه عليه، وكذلك -يا عباد الله- لم يرد في الحديث الصحيح ما يدل على إفراد ليلة النصف من شعبان بقيام من بين سائر الليالي، ولا بصوم يومها من بين سائر الأيام، إنما ورد الحث على صيام أيام البيض من كل شهر الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر، والذين يزعمون أن ليلة النصف من شعبان نزل فيها قوله تعالى:{فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ}[الدخان:٤] فإن جمهور العلماء على خلاف ذلك، بل هذه الآية نزلت في ليلة القدر، وليلة القدر إنما أمرنا أن نتحراها في العشر الأواخر من رمضان، كما أمرنا بذلك المصطفى صلى الله عليه وسلم.
فانتبهوا لذلك يا عباد الله! واحرصوا على الاقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم امتثالاً لأمر الله {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيراً}[الأحزاب:٢١] فمن اهتدى بهديه وأطاعه فيما أمر به، وانتهى عما نهى عنه والتزم اتباعه أعظم الله له الأجر، وبلَّغه أمنيته في أمور دينه ودنياه.
اللهمَّ وفقنا جميعاً لاتباع المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأوردنا حوضه، واسقنا منه شربة هنيئة مريئة لا نظمأ بعدها أبداً، اللهم وفقنا جميعاً لما تحبه وترضاه، وجنبنا جميعاً ما تبغضه وتأباه، واجعلنا هداة مهتدين غير ضالين ولا مضلين يا رب العالمين.
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.