[وصف النار]
{قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] إذا أردنا أن نقي أنفسنا من هذه النار فعلينا أيضاً أن نتذكر تلك النار، التي قال عنها ربنا جل وعلا: {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} [التحريم:٦] هذه النار التي وصفها ربنا في القرآن، ووصفها رسوله صلى الله عليه وسلم في سنته، فقال: {يؤتى بجهنم يوم القيامة تقاد بسبعين ألف زمام، مع كل زمام سبعون ألف ملك يجرونها} يا رب نستجير بك من النار، يراها أهل الموقف كلهم، فتزفر زفرة حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل إلا جثا على ركبتيه يقول: يا رب لا أسألك إلا نفسي، نفسي نفسي، لا إله إلا الله، هذه النار يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم.
ثم قبل أن ندخل في أوصاف النار، نأخذ أول الآية يوم أن قال الله فيها: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦] لمن هذا النداء يا إخواني؟ {يا أيها الذين آمنوا} لم يقل يا أيها اليهود والنصارى، ولذلك الرسول صلى الله عليه وسلم وقف أمام الصحابة رضي الله عنهم أفضل هذه الأمة، خير القرون بعد نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، فقال: {أنذرتكم النار، أنذرتكم النار، أنذرتكم النار} حتى وقعت خميصة كانت على عاتقه عند رجليه صلى الله عليه وسلم، وسمعه أهل السوق يحذر الصحابة رضي الله عنهم، لا إله إلا الله، وربنا جل وعلا يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] نعوذ بالله من النار.
أما إن سألت أخي في الله عن ملابس أهل النار التي أعدت لهم، فاسمع خبر الجبار جل جلاله يقول: {قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ} [الحج:١٩]-نعوذ بالله من النار- ثم هم يريدون الخروج من النار، يتطلعون إلى الخروج من النار، ولكن هيهات هيهات، لماذا؟ لأنهم أغضبوا الجبار جل جلاله، يقول الرب جل وعلا: {كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ} [الحج:٢٢] أعوذ بالله {نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦].
ثم تصورهم في النار، يقول الرب جل وعلا: {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ} [النساء:٥٦] أما إن سألت عن طعامهم الذي يطعمون في النار، فقد بينه الله جل وعلا في محكم البيان فقال: {إِنَّ شَجَرَتَ الزَّقُّومِ * طَعَامُ الْأَثِيمِ * كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ * كَغَلْيِ الْحَمِيمِ} [الدخان:٤٣ - ٤٦] ثم إذا شربوا ذلك، وغليَ في بطونهم كغلي الحميم، اشتعل في بطونهم، يريدون أن يطفئوا هذه النار الذي اشتعلت في بطونهم، بماذا يسقون؟ لا إله إلا الله! يقول الرب جل وعلا: {وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} [محمد:١٥] ويقول جل وعلا: {وَيُسْقَى مِنْ مَاءٍ صَدِيدٍ * يَتَجَرَّعُهُ وَلا يَكَادُ يُسِيغُهُ وَيَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكَانٍ وَمَا هُوَ بِمَيِّتٍ وَمِنْ وَرَائِهِ عَذَابٌ غَلِيظٌ} [إبراهيم:١٦ - ١٧] أين هم؟ في نار جهنم والعياذ في الله.
تلك النار التي قال عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه}.
أي والله إنها تذكرنا الآن، إذا جلسنا الآن عند الدفاية البسيطة، بالله عليك أدخل إصبعك في هذه النار، انظر كيف سيكون الأمر، أو إذا جلست عند (المشب) ووقعت عليك شرارة ووقعت على فخذك تطمر وكأنه وقع فيك شيء لا تطيقه كالجبال، ثلاثة أيام أو أربعة أيام وأنت تعالجها، يا الله نسألك النجاة من النار، شرارة من شرارة نار الدنيا، الذي قال عنها الرسول صلى الله عليه وسلم: {ناركم هذه جزء من سبعين جزءاً من نار جهنم قال الصحابة رضي الله عنهم: يا رسول الله! إنها لكافية، أي: نار الدنيا، قال صلى الله عليه وسلم: إنها فضلت عليها بتسعة وستين جزءاً كلهن مثل حرها}.
ولذلك يقول الله جل وعلا: {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ} [الواقعة:٧١] يعني نار الدنيا {أَأَنْتُمْ أَنْشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنْشِئُونَ} [الواقعة:٧٢] ثم قال جل وعلا: {نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً وَمَتَاعاً لِلْمُقْوِينَ} [الواقعة:٧٣] بدأ بالتذكر قبل التمتع بهذه النار، نحن جعلناها تذكرة، تذكروا، إذا رأيت هذه النار نار الدنيا، تذكر نار جهنم -نعوذ بالله من نار جهنم- اللهم إنا نستجير بك من نار جهنم يا رب العالمين.
أيها الإخوة في الله: يقول الرب جل وعلا: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً} [التحريم:٦] يقول أبو هريرة رضي الله عنه: {كنا جلوساً عند النبي صلى الله عليه وسلم فسمعنا وجبة، -أي: سمعوا صوت شيء سقط- فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أتدرون ما هذا؟ قلنا: الله ورسوله أعلم، قال: هذا حجر أرسله الله في جهنم منذ سبعين خريفاً، فالآن انتهى إلى قعرها} نسأل الله العفو والعافية، قعرها بعيد، وحرها شديد، نسأل الله العفو والعافية.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: {لو أن قطرة من الزقوم سقطت في دار الدنيا لأفسدت على أهل الدنيا معايشهم} يا رب نستجير بك من النار.
يقول الحسن البصري رحمه الله في هذه الموعظة: [[ما ظنك بقوم قاموا على أقدامهم خمسين ألف سنة لم يأكلوا فيها أكلة، ولم يشربوا فيها شربة، حتى انقطعت أعناقهم عطشاً، واحترقت أجوافهم جوعاً، ثم انصرف بهم إلى النار، فيسقون من عين آنية، قد آن حرها واشتد نضجها]] كيف حالهم؟ ماذا تعمل بهم النار؟ وقفوا على أرض القيامة خمسين ألف سنة، ثم انصرف بهم إلى النار، نعوذ بالله من النار، اللهم إنا نستجير بك من نار جهنم يا أرحم الراحمين!
فيا إخواني في الله: {قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ} [التحريم:٦] ما دمتم في زمن الإمكان.