لقد قصَّ الله علينا في القرآن الكريم في سورة البقرة خمس حوادث، كلها تتضمن إحياء الموتى في هذه الدنيا، وفيها عظة وعبرة:
فأول هذه القصص: قصة بني إسرائيل حين قالوا لنبيهم موسى: {لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً}[البقرة:٥٥] فعاقبهم الله تعالى؛ فأخذتهم الصاعقة فماتوا، ثم بعثهم الله من بعد موتهم، وفي هذا يقول الله تعالى يخاطب بني إسرائيل:{وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ وَأَنْتُمْ تَنْظُرُونَ * ثُمَّ بَعَثْنَاكُمْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ}[البقرة:٥٥ - ٥٦].
والقصة الثانية: في شأن القتيل من بني إسرائيل الذي قتله ابن عمه؛ من أجل أخذ ماله، فاتهم به قبيلةً أخرى، فاختصموا في أمره إلى موسى عليه السلام، فأمرهم موسى -بوحيٍ من الله تعالى- أن يذبحوا بقرة، ويضربوا القتيل بجزءٍ منها، ففعلوا -بعد التعنت والمراجعات التي تقرءونها في سورة البقرة: ادع لنا ربك ادع لنا ربك إلى آخر ما قالوا- وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ، وضربوه ببعضها، فأحياه الله تعالى القادر على كل شيء، فأخبر عن قاتله: أنه ابن عمه، قتله لأخذ ماله فتلكم من آيات الله العظام لمن تدبر القرآن، وعرف معاني القرآن.
القصة الثالثة: في قومٍ نزل في ديارهم وباء، فخرجوا من ديارهم وهم ألوف حذراً من الموت، فأراهم الله تعالى أنه لا مفر من أقدار الله تعالى، فأماتهم الله؛ ليعلم العباد قوة سلطانه ونفوذ قدرته، ثم أحياهم ليستكملوا آجالهم، وفي ذلك تعليم لهذه الأمة حتى لا تتطير، ولا تفر من أقدار الله، بل تصبر وتحتسب الأجر على الله.
القصة الرابعة قصة الرجل الذي مرَّ على قرية وهي خاوية على عروشها، قد تهدم بناؤها ويبست أشجارها، فاستبعد هذا الرجل أن تعود إلى ما كانت عليه من العمران والسكان، فأراه الله تعالى آية في نفسه تدل على قدرة الله تعالى؛ أماته الله مائة سنة، وكان معه حمارٌ وطعامٌ وشرابٌ، فمات الحمار وتمزقت أوصاله، ولاحت عظامه، وبقي الطعام والشراب لم يتغير واحدٌ منهما بنقص ولا طعم ولا لون ولا رائحة مدة مائة سنة، والشمس تصهره والرياح تتعاقب عليه، وبعد هذه المدة بعث الله تعالى ذلك الرجل، وأراه طعامه وشرابه لم يتغير مع طول هذه المدة، وأراه الحمار، فنظر إلى عظامه المتفرقة في الأرض يركب بعضها بعضاً كل عظم في محله، ويكسوها الله تعالى لحماً وفي هذا يقول الله تعالى:{أَوْ كَالَّذِي مَرَّ عَلَى قَرْيَةٍ وَهِيَ خَاوِيَةٌ عَلَى عُرُوشِهَا قَالَ أَنَّى يُحْيِي هَذِهِ اللَّهُ بَعْدَ مَوْتِهَا فَأَمَاتَهُ اللَّهُ مِائَةَ عَامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ قَالَ كَمْ لَبِثْتَ قَالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قَالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عَامٍ فَانْظُرْ إِلَى طَعَامِكَ وَشَرَابِكَ لَمْ يَتَسَنَّهْ وَانْظُرْ إِلَى حِمَارِكَ وَلِنَجْعَلَكَ آيَةً لِلنَّاسِ وَانْظُرْ إِلَى الْعِظَامِ كَيْفَ نُنْشِزُهَا ثُمَّ نَكْسُوهَا لَحْماً فَلَمَّا تَبَيَّنَ لَهُ قَالَ أَعْلَمُ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[البقرة:٢٥٩].
عباد الله! تلكم من أنباء الغيب التي قصها ربنا جلَّ وعلا في هذا القرآن العظيم على سيد البشرية، ونبي الرحمة محمد صلوات الله وسلامه عليه، وقصها عليكم في كتابه المبين؛ ليزداد المؤمن إيماناً بالله العظيم الذي له القدرة التامة على كل شيء.
القصة الخامسة: في إبراهيم خليل الرحمن عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، حين سأل الله عز وجل أن يريه كيف يحيي الموتى، فأمره الله تعالى أن يأخذ أربعة من الطير، فيقطِّعهن أجزاءً ثم يفرقها على الجبال التي حوله، على كل جبل جزءاً من هذه الطيور الأربعة، ثم يناديهن فقطع إبراهيم عليه السلام هذه الطيور وخلط لحمهن، وجعل على كل جبل منهنَّ جزءاً، ثم ناداهنّ إبراهيم، فعند ذلك التأمت تلك الأجزاء المفرقة في الجبال؛ بعضها على بعض، وأتين إلى إبراهيم مشياً لا طيراناً.