للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجنة وما أعد للمتقين فيها]

عباد الله: اسألوا الله جل وعلا أن ينجيكم من النار, واسألوه أن يدخلكم الجنة دار المتقين, فإن الله أعد للمتقين الأبرار الذين أطاعوا ربهم في الدنيا ما لا عين رأت ولا أذن سمعت، وهذا هو موضع الظفر وموضع الفوز بجنات النعيم, وخلاصهم من عذاب الجحيم, أورثهم الجنة بما فيها من الحدائق الناظرة, وما فيها من الأطعمة الطيبة المتنوعة من كل ما تشتهيه النفوس, وما فيها من الحور العين, وما فيها من الأشربة الطيبة وهم في ذلك النعيم المقيم لا يسمعون كلاماً فارغاً لا فائدة فيه ولا كذاباً, لأن الجنة دار السلام.

فكل هذا الجزاء العظيم تفضلاً من الله وإحساناً ومكافأةً على حسب أعمالهم, قال تعالى: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً} [النبأ:٣١ - ٣٢] لا يجف ماؤها, لا تتغير نضرتها إنها الجنة يا عباد الله.

اسمع أيها الشاب! الذي رجعت عن طاعة المولى جل وعلا, عندما كنت مشتاقاً إلى هذه القصور وما فيها من اللذة والنعيم, جالست الأشرار, جالست جلساء السوء, فحولوك من الراحة إلى الشقاء, حولوك من الراحة إلى العماء, حرموك هذا النعيم.

اسمع أيها الشاب! يا من استبطأت هذه القصور وهذه الحور وهذا النعيم ارجع إلى ربك جل وعلا.

أيها الشاب! أين ذهابك إلى المحاضرات؟ أين حضورك للندوات؟

أين ذهابك إلى مكة لتعتمر وتحج؟ كيف عكست الأمر وصار عليك وبالاً بذهابك إلى خارج البلاد؟ فهدمت ما بنيت في سالف الأزمان, ارجع إلى ربك ما دمت في وقت الإمكان, ارجع إلى ربك ولا تغتر بقرناء السوء أعوان الشيطان, واسمع إلى ما عند الرحمن: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً} [النبأ:٣١ - ٣٣].

اسمع أيها الشيخ الكبير يا من فتنت بالدنيا, وبما فيها من البساتين التي سوف تخرب وتذهب جثاءً, سوف تمر عليها الأيام وتيبس فيها كل شيء, وهذه حكمة الله في الدنيا أن مآلها إلى الدمار والخراب, ولكن اسمع أيها الشيخ يا من أضعت الليالي الطوال مع الكلام الفارغ, مع أكل لحوم الناس, ذهب فلان وقال فلان وقيل لفلان اسمع يا مسكين اغتنم باقي السنين إن كان لك باقي سنين وإلا والله فالموت يأتي بغتة لا مفر منه.

اسمع يا مسكين! يا من رضيت بالعاجل! يا من بعت الغالي بالرخيص! يا من جريت وراء الدنيا تجر أذيال الغفلة, اسمع -يا عبد الله- قليلاً مما عند الله في تلك الجنة: {إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازاً * حَدَائِقَ وَأَعْنَاباً * وَكَوَاعِبَ أَتْرَاباً * وَكَأْساً دِهَاقاً * لا يَسْمَعُونَ فِيهَا لَغْواً وَلا كِذَّاباً * جَزَاءً مِنْ رَبِّكَ عَطَاءً حِسَاباً} [النبأ:٣١ - ٣٦] من هذا الرب؟ هذا ملك الملوك، جبار السماوات والأرض الذي إذا قال لشيء كن فيكون {رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا الرَّحْمَنِ لا يَمْلِكُونَ مِنْهُ خِطَاباً} [النبأ:٣٧].

عباد الله: إن أمامكم يوم القيامة وأكرر كما كرر الله في هذه السورة، يوم القيامة الذي غفل عنه الكثير, وعن ما فيه من الأهوال والشدائد الصعاب, يوم أن يقتص الله فيه لأهل المظالم ممن ظلمهم, حتى يأخذ للشاة الجماء حقها من الشاة القرناء, ثم يقول لها رب العزة والجلال: كوني تراباً, عند ذلك يتمنى الكافر الذي أضاع أوقاته في الحياة الدنيا في المعاصي والفجور ولمحادة الله ورسوله أن يكون تراباً.

اسمعوا إلى قول الله الجبار جل وعلا: {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً} [النبأ:٣٨] يا له من موقف نزلت فيه أملاك السماوات السبع وصفت صفوف سبعة, أحاطت بأهل الموقف جميعاً {يَوْمَ يَقُومُ الرُّوحُ وَالْمَلائِكَةُ صَفّاً لا يَتَكَلَّمُونَ إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَنُ وَقَالَ صَوَاباً * ذَلِكَ الْيَوْمُ الْحَقُّ فَمَنْ شَاءَ اتَّخَذَ إِلَى رَبِّهِ مَآباً * إِنَّا أَنْذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنْظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنْتُ تُرَاباً} [النبأ:٣٨ - ٤٠].

عباد الله: أوصيكم ونفسي بتقوى الله عز وجل, قبل أن ينظر المرء ما قدمت يداه, اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة, اللهم وفقنا لما تحبه وترضاه إنك على كل شيء قدير.

أقول قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.