[وقفة مع يوم القيامة]
أيها الإخوة في الله! بعد هذه المواقف، سوف يحدث لهذا العالم انقلاب يتغير فيه، قال الله تعالى: {يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاوَاتُ وَبَرَزُوا لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ} [إبراهيم:٤٨] لماذا؟ ليقوم الناس من قبورهم لرب العالمين، ليقفوا في عرصات القيامة.
أيها الإخوة في الله! إنه موقف عظيم يحتاج للإنسان أن يطيل التفكر فيه: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ} [الحج:١] متى؟! {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُمْ بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ} [الحج:٢] متى؟! {وَجَاءَ رَبُّكَ وَالْمَلَكُ صَفّاً صَفّاً} [الفجر:٢٢] إذا جاء الله عز وجل يوم القيامة لفصل القضاء بين العباد.
أيها الإخوة في الله! إنه موقف عظيم يحتاج للإنسان أن يتفكر فيه، وهذا الموقف والله ثم والله لا ينجو منه إلا من تزود بالتقوى، قال الله تعالى: {وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ} [البقرة:١٩٧] فمن جاء بالتقوى نجح في ذلك اليوم العظيم {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ} [الحاقة:١٨] على تلك الأرض المستوية التي ليس فيها جبال ولا أودية {يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفَى مِنْكُمْ خَافِيَةٌ} [الحاقة:١٨] عند ذلك يحصل تقسيم الشهادات في ذلك اليوم العظيم، ولكن متى؟! بعدما يصيب الناس الهمَّ والغمَّ والكرب، ويحتاجون إلى من يشفع لهم، حتى ينزل رب العزة والجلال لفصل القضاء بين العباد، ويقولون: من يشفع لنا في هذا اليوم العظيم الذي دنت فيه الشمس قدر ميل، وذهب العرق في الأرض سبعين ذراعا؟! من يشفع لنا في هذا اليوم العظيم الذي شخصت فيه الأبصار للحي القيوم؟
فيقول بعضهم لبعض: اذهبوا إلى آدم أبي البشر، فيأتون آدم عليه السلام، فيقول: لست لها، نفسي نفسي اذهبوا إلى غيري، ومن الذي أخرجكم من الجنة إلا خطيئة أبيكم؟ اذهبوا إلى غيري، اذهبوا إلى نوح.
فيأتون نوحاً عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى ما نحن فيه؟! فيقول: إنه كان لي دعوة فدعوت بها على قومي، اذهبوا إلى غيري، نفسي نفسي اذهبوا إلى إبراهيم.
فيأتون إبراهيم عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك، ألا ترى إلى ما نحن فيه، فيعتذر ويقول: اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى موسى.
فيذهبون إلى موسى عليه السلام، فيقولون: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيقول: لست لها, اذهبوا إلى غيري اذهبوا إلى عيسى, نفسي نفسي.
فيأتون إلى عيسى عليه السلام، فيقولون له: اشفع لنا إلى ربك ألا ترى إلى ما نحن فيه؟ فيعتذر ويقول: نفسي نفسي اذهبوا إلى محمد صلى الله عليه وسلم.
الله أكبر! يا لها من مواقف عظيمة!
يقول صلى الله عليه وسلم: فيأتون إلي، فيقولون: ألا ترى إلى ما نحن فيه اشفع لنا إلى ربك، فيقول: أنا لها أنا لها, فيخر تحت العرش ساجداً، ويفتح الله عليه من محامده، ثم يقال: يا محمد! ارفع رأسك، وقل يسمع واشفع تشفع، فيرفع رأسه صلى الله عليه وسلم، ويقول: يا رب! أمتي أمتي!
الله أكبر! اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، فيقال: أدخل من أمتك من لا حساب عليهم من الباب الأيمن من أبواب الجنة.
أيها الإخوة في الله! إن مواقف القيامة عظيمة تحتاج إلى أن يتفكر فيها الإنسان، ويقف مع نفسه قليلا مع تلك الآيات العظيمة ليتفكر فيها، ليقف مع قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرَى * يَوْمَ يَتَذَكَّرُ الْأِنْسَانُ مَا سَعَى * وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى * فَأَمَّا مَنْ طَغَى * وَآثَرَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا * فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوَى * وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى} [النازعات:٣٤ - ٤١] يقف قليلاً ويتفكر، هل هو من أهل الجحيم؟! أعطى نفسه هواهها، وتمنى على الله الأماني، أو من أهل الجنة الذين خافوا مقام ربهم ونهوا أنفسهم عن الهوى، واتبعوا طريق المصطفى صلى الله عليه وسلم، والتزموا الصراط المستقيم؟
ثم ينتقل ويتفكر أيضا في موقف آخر، يرتل ويردد: {فَإِذَا جَاءَتِ الصَّاخَّةُ * يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيه * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٣ - ٣٧].