للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[انتشار ظاهرة الإسراف]

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد النبي الأمين الناصح الذي ترك أمته على المحجة البيضاء ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتها، وهب لنا من لدنك رحمةً إنك أنت الوهاب، اللهم صلِّ على محمد وعلى آل محمد وعلى أصحابه ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله عز وجل، فلقد أنعم الله عليكم بنعمٍ كثيرةٍ، وجاد علينا بخيراتٍ وافرةٍ، غفلنا عنها وعن ضدها، وجهلنا حكمتها، وأعطانا ربنا جل وعلا النعم الكثيرة الظاهرة والباطنة، والله أوجب علينا الشكر لنعمه، وهو الغني الحميد، غني عن العالمين، والخلق هم الفقراء إليه كما أخبر سبحانه وتعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} [فاطر:١٥] وليس لله في شكرنا منفعةٌ تعود عليه، ولا في كفر نعمه ضررٌ عليه، إنما تعود منفعة الشكر على الشاكر كما قال تعالى: {وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ} [النمل:٤٠].

عباد الله: تسمعون ما يحصل في كثيرٍ من المناسبات من البذخ والتبذير والإسراف مما يندى له الجبين، ويقشعر منه الجلد، كل ذلك جرياً وراء العادات، ووراء التقاليد مباهاة ومفاخرة، حتى إن البعض من الناس صارت عنده العادات بمنزلة الفريضة، فبعضهم إذا نزل عليه ضيف ولو كان واحداً قدم له الذبيحة، ثم يأخذ منها بقدر ما يأخذ الضيف، والباقي أين يوضع يا عباد الله؟! لو نذكر هذه العبارة مع البكاء حتى ينفد الدمع ويتبعه الدم؛ ما قدرنا أن نعبر عما يفعله الناس، أين يوضع الباقي يا عباد الله؟!

إن الإنسان يستحي أن يقول: إنه يوضع في محل النفايات مع القاذورات، في محل حتى الكلاب والقطط لا تأكل منه، أليس هذا يا عباد الله من كفر النعمة؟ بلى والله.

ثم بلى والله.

ثم حدثوا يا عباد الله: عن البراري والصحاري، وما يوضع فيها ولا حرج، إن البعض من الإخوان الثقات، قال لي: لقد رأينا (قلاب) وهو يظهر منه حرارة، فتتبعناه، فإذا هو يفرغ طعاماً كثيراً، سبع ذبائح لم يؤخذ منها شيء إلا القليل قدر البيضة، وبعضها لم يؤخذ منها شيء.

ثم زيادة على ذلك ما يدفع من النقود الباهضة للفنادق وغيرها من قصور الأفراح في مناسبات الزواج، وربما كان ذلك كله دينٌ في ذمة الزوج، قد استدانه من تجار حمَّلوه ما لا يطيق (فيا ليت للصقيمة الوليمة) ولو أن إيجارات قصر الأفراح ترد على الزوج ليقضي ما عليه من الدين، واكتفى بشيءٍ يسير يجتمع عليه هو وأقاربه وجيرانه لكان في ذلك كفاية وخير كثير كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ عبد الرحمن بن عوف: {أولم ولو بشاة} والصحابة في حاجة، وشدة جوع، ويقول له صلى الله عليه وسلم: {أولم ولو بشاة}.

ولكن متى نرعى النعمة يا عباد الله؟ متى نقيد النعمة يا عباد الله ونحن نبذر ونسرف في تلك المناسبات! حتى -يا عباد الله- إذا حل بنا ما حل بالمجاورين، ولا حول ولا قوة إلا بالله، فإنهم بطروا النعمة وكفروها، وأخيراً صاروا يبحثون عنها مع الوحوش ليسدوا رمق الجوع، فإنا لله وإنا إليه راجعون، وما هي من الظالمين ببعيد.

اللهم أيقظنا من غفلاتنا، وهب لنا من لدنك رحمة، وهيئ لنا من أمرنا رشداً.