عباد الله! لنتدبر معاني سورة من القرآن لنقف معها قليلاً؛ لتنبأنا عن الحقائق وتكشف لنا من أسرار العجائب, فهذه سورة النبأ التي تنبئ عن خبر هام, عن يوم القيامة وما فيه, وفي ذلك رد على من زعم أن لا بعث ولا نشور, قال الله تعالى:{عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ * عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ * الَّذِي هُمْ فِيهِ مُخْتَلِفُونَ * كَلَّا سَيَعْلَمُونَ * ثُمَّ كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}[النبأ:١ - ٥] و (كلا) هذه كلمة ردع وزجر لأولئك المكذبون, وكرر الردع بقوله:{كَلَّا سَيَعْلَمُونَ}[النبأ:٥] تأكيد للوعيد مع التهويل, أي: سيعملون ما يحل بهم من العذاب والنكال في ذلك اليوم الذي أنكروه واستبعدوا وقوعه, ولكن القادر الذي أوجد المخلوقات العظام قادر على إحياء الناس بعد موتهم, فهو الذي جعل للخلق هذه الأرض التي يسكنون عليها ممهدة, ليستقروا عليها, ويتقلبوا في نواحيها, وبسطها لهم كالفراش, ليستفيدوا من سهولها الواسعة بأنواع المزروعات ويضربوا عليها للابتغاء من فضل الله, وثبتها بالجبال, وجعلها كالأوتاد لئلا تميد بمن عليها, ثم أوجد على هذه الأرض الممهدة أصنافاً ذكوراً وأناثاً, لينتظم أمر النكاح والتناسل ولا تنقطع الحياة حتى يأتي أمر الله, ثم جعل الله لهم نظاماً يسيرون عليه في هذه الحياة.
ومن ذلك: النوم ففيه راحة للأبدان, وتخلص لمشاق العمل بالنهار, وجعل النهار سبباً لتحصيل المعاش, اسمعوا يا من عكستم فطرة الله! فالله إنما جعل النهار سبباً لتحصيل المعاش, فالنهار جعله مشرقاً مضيئاً ليتمكن الناس من التصرف فيه بالذهاب والمجيء للمعاش والتكسب والتجارات وغير ذلك.