للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قصيدة زين العابدين في الموت وما بعده]

إخواني في الله! الموت هو الرزية العظمى نسأل الله جل وعلا أن يرزقنا الاستعداد للموت، ولذلك يا إخوان الغريب الآن إذا سافر يرجى رجوعه، وإن طالت السنين، ولكن إذا مات الميت متى يرجع يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم؟

لا يرجع إلا إذا قامت القيامة وقام الناس لرب العالمين، ولذلك يقول زين العابدين رحمه الله:

ليس الغريب غريب الشام واليمن إن الغريب غريب اللحد والكفنِ

إي والله! هو الغريب يا إخوان، غريب اللحد والكفنِ نسأل الله أن يجعل قبورنا روضة من رياض الجنة، ثم يقول رحمه الله: وناهيك بذلك الرجل الزاهد العابد

تمر ساعات أيامي بلا ندمٍ ولا بكاءٍ ولا خوفٍ ولا حزنِ

سفري بعيدٌ وزادي لا يبلغني وقسمتي لم تزل والموت يطلبني

ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني

أنا الذي أغلق الأبواب مجتهداً على المعاصي وعين الله تنظرني

يا زلة كتبت يا غفلة ذهبت يا حسرة بقيت في القلب تقتلني

تعجلت لي يا من كان يعذلني لو كنت تعلم ما بي كنت تعذرني

دعني أنوح على نفسي وأندبها وأقطع الدهر بالتذكار والحزن

دعني أسح دموعاً لا انقطاع لها فهل عسى عبرة منها تخلصني

ما أجمل التوبة خصوصاً إذا صحبها البكاء والدموع لا إله إلا الله! اللهم ارزقنا توبة نصوحاً، ما أجمل التوبة إذا صحبها البكاء! إذا تذكر الإنسان أحواله ثم تاب وقال: كيف حالي لو أن لحظة الفراق حلت بي وأنا مقرٌ على الذنوب والخطايا؟!

كيف يكون حالي؟! بماذا أواجه ربي؟! بأي شيءٍ أنتقل من هذه الدنيا؟!

ثم تدمع العين وفي ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: {عينان لا تمسهما النار: عينٌ بكت من خشية الله، وعينٌ باتت تحرس في سبيل الله -وفي رواية- عينٌ غضت عن محارم الله} ثم إذا حصل البكاء وأنت في مكانٍ خالٍ لا يراك إلا الله؛ فإن الله يظلك في ظله يوم لا ظل إلا ظله، وتكن من السبعة، أسأل الله جل وعلا أن يجعلنا وإياكم منهم إنه على كل شيء قدير.

تصور أخي لحظة الفراق ما الذي يحصل عند لحظة الفراق؟ يقول رحمه الله:

كأنني بين تلك الأهل منطرحاً على الفراش وأيديهم تقلبني

وقد أتوا بطبيبٍ كي يعالجني ولم أر من طبيب اليوم ينفعني

واشتد نزعي وصار الموت يجذبها من كل عرقٍ بلا رفقٍ ولا هونِ

واستخرج الروح مني في تغرغرها وصار في الحلق مراً حين غرغرني

وغمضوني وراح الكل وانصرفوا بعد الإياس وجدوا في شرا الكفني

وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني

بدل ما كانوا يقولون: فلان بن فلان، الآن يريدون يتخلصون من هذا الميت، اعطونا المغسل، غسلوه، وكفنوه ثم يسرعون به إلى المقبرة وكأنه عدوٌ لهم، ثم يأخذون المساحي يحثون عليه التراب لا إله إلا الله! الله أكبر! الله أكبر ما الذي يأخذ معه؟

يأخذ معه عمله اللهم اجعل أعمالنا صالحة يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام!

قال رحمه الله:

وقام من كان أولى الناس في عجلٍ إلى المغسل يأتيني يغسلني

وقال يا قوم نبغي غاسلاً حذقاً حراً أديباً أريباً عارفاً فطنِ

فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني

إخواني وأخواتي! كلنا والله سوف تمر علينا هذه اللحظات، كلنا سوف نجرد من الثياب ونوضع على لوح المغسل ليغسلنا.

لا إله إلا الله!

فجاءني رجلٌ منهم فجردني من الثياب وأعراني وأفردني

وأطرحوني على الألواح منفرداً وصار فوقي خرير الما ينظفني

وألبسوني ثياباً لا كموم لها وصار زادي حنوطاً حين حنطني

وقدموني إلى المحراب وانصرفوا خلف الإمام فصلى ثم ودعني

صلوا علي صلاة لا ركوع لها ولا سجود لعل الله يرحمني

وبعد الفلة والقصر، أو بعد العشة والصندقة إلى أين؟!

وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني

اللهم أعنا على ذلك المنزل يا رب العالمين!

اللهم اجعله روضة من رياض الجنة يا رب العالمين يا حي يا قيوم!

وأنزلوني في قبري على مهلٍ وأنزلوا واحداً منهم يلحدني

فقام محتزماً بالعزم مشتملاً وصفف اللبن من فوقي وفارقني

وقال هلوا عليه الترب واغتنموا حسن الثواب من الرحمن ذي المننِ

في ظلمة القبر لا أمٌ هناك ولا أبٌ شفيقٌ ولا أخٌ يؤنسني

وقد سمعنا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم: أن المؤمن يكون عليه القبر روضة من رياض الجنة، يفتح له باب إلى الجنة، ويفرش له فراشٌ من الجنة، ويوسع له في قبره مد بصره، وأما الكافر والمنافق والفاجر -نسأل الله العفو والعافية- فإنه يفتح له بابٌ إلى النار، ويفرش من النار، ويضيق عليه قبره حتى تختلف فيه أضلاعه، قال رحمه الله تعالى في نهاية هذه الأبيات:

فامنن علي بعفوٍ منك يا أملي فإنني موثقٌ بالذنب مرتهني

تقاسم الأهل مالي بعدما انصرفوا وصار وزري على ظهري فأثقلني

جمع الأموال مما هب ودب وصارت للورثة، وانتقل هو للأوزار، الأموال إذا جمعت من الربا والغش والخداع، والكذب، والرشوة، والدخان، والمسكرات، والمجلات، وغيرها من الطرق المحرمة؛ فإنها تكون وزراً على صاحبها، يقتسم بها الورثة وتكون وزراً على من جمعها، نسأل الله العفو والعافية، اللهم اكفنا بحلالك عن حرامك، وأغننا بفضلك عمن سواك.

ثم يقول رحمه الله:

ولا تغرنك الدنيا وزينتها وانظر إلى فعلها في الأهل والوطنِ

وانظر إلى من حوى الدنيا بأجمعها هل راح منها بغير الحنط والكفنِ

خذ القناعة من دنياك وارض بها لو لم يكن لك منها إلا راحة البدنِ

يا نفس كفي عن العصيان واكتسبي فعلاً جميلاً لعل الله يرحمني

نسأل الله جل وعلا أن يرحمنا جميعاً في واسع رحمته.