ثم لما استقر رسول الله صلى الله عليه وسلم بدأت تنتشر دعوته دعوة الحق التي أنقذت العالم من هُوَّة ساحقة، دعوة أخرجتهم من الظلمات إلى النور، دعوة أخرجتهم من عبادة الأوثان والأصنام والأشجار والأحجار والقبور والشمس والقمر إلى عبادة الله الواحد القهار الذي لا يموت أبداً.
فأكرم وأنعم بهذه الدعوة التي يدخل فيها العربي والعجمي كما قال الله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الْأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ}[الأعراف:١٥٨] اللهم وفقنا لاتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
فلما جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بهذه الرسالة قبلها من قبلها، ووقف في وجهها من لم يرد الله له الهداية، وانتشرت دعوة الإسلام في مراحلها التي أراد الله لها في خلال ثلاث وعشرين سنة في مكة والمدينة، كلها جهاد ودعوة وعملٌ دءوب لترسيخ جذور الإسلام.
الصحابة رضي الله عنهم هاجروا إلى المدينة، خرجوا بأنفسهم وأهليهم مهاجرين لله الواحد القهار، بل بعضهم خرج بدون ماله فاراً بدينه، والتقى المهاجرون بإخوانهم الأنصار الذين آمنوا بالله وبرسوله، عند ذلك اتجه رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى إعداد المسلمين إعداداً قوياً، يعلمهم الإسلام ويدرسهم القرآن ويربيهم على المحبة والأخوة الإيمانية، وينزع من نفوسهم العصبيات، وعادات الجاهلية، وفي نفس الوقت علمهم رسول الله صلى الله عليه وسلم كيف يواجهون الأعداء؛ فعودهم على الرماية والفروسية والاستعداد لمنازلة الأعداء، يقول لهم:{ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي، ألا إن القوة الرمي} أخذاً بالتوجيه الرباني الذي قال الله فيه: {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ}[الأنفال:٦٠].