[عذاب الأشقياء]
فأما الأشقياء فإلى جهنم التي حذركم الله في كتابه الكريم منها, فقال جل من قائل: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] ما هذه النار؟ إنها نار محرقة كلما نضجت جلودهم بدلهم الله جلوداً غيرها ليذوقوا العذاب، في دار البوار, في دار البؤس والشقاء، دار العذاب الشديد, دار من تعدى الحدود وارتكب المحرمات, دار لا يسكنها إلا الأشرار من خلق الله الذين عصوا رسله ولم يمتثلوا أمره.
النار منزل أهل الكفر كلهم طباقها سبعة مسودة الحفر
جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر
وتحت ذاك جحيم ثم هاوية تهوي بهم أبداً في حر مستعر
فيها غلاظ شداد من ملائكة قلوبهم شدة أقسى من الحجر
يسحبوه إلى جهنم إذا قال الله: خذوه فغلوه, فيقول لهم: ألا ترحموني؟ فيقولون: لم يرحمك أرحم الراحمين فكيف نرحمك؟!
لهم مقامع للتعذيب مرصدة وكل كسر لديهم غير منجبر
سوداء مظلمة شعثاء موحشة دهماء محرقة لواحة البشر
فيها العقارب والحيات قد جمعت جلودهن كالبغال الدهم والحمر
لها إذا ما غلت فور يقلبهم ما بين مرتفع منها ومنحدر
يروي لنا البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه من حديث طويل قال فيه: {ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم على واد فسمع صوتاً منكراً فقال: يا جبريل ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب ائتني بأهلي وبما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغساقي وغسليني، وقد بعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني, قال: لك كل مشرك ومشركة وخبيث وخبيثة وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب}.
وعن عبد الرحمن بن مصعب أن رجلاً كان على شط الفرات فسمع تالياً يتلو قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:٧٤] فتمايل الرجل, فلما قال التالي: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:٧٥] سقط في الماء فمات رحمه الله.
وعن لقمان الحنفي قال: {أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على شاب ينادي في جوف الليل -هذا الفرق يا شباب الإسلام! هذا الفرق يا من أضاع عمره في الملهيات! - ينادي: واغوثاه من النار واغوثاه من النار فلما أصبح قال صلى الله عليه وسلم: يا شاب! لقد أبكيت البارحة ملأً من الملائكة كثيراً} اعتبروا بهذه الأحوال لسلفكم الصالح, فإنهم كانوا يخافون من النار, وأنتم -يا عباد الله- أما تشفقون من النار وما فيها من العذاب والنكال؟
أما تحذرون سلاسلها والأغلال؟
واعجباً لمن يقرع سمعه ذكر السعير, وهو من عذابها بالله غير مستجير!
فيا من تتعدون الحدود! ويا من ترتكبون الزنا واللواط! ويا من تشربون المسكرات! ويا من أعرضتم عن طريق الحق! ويا من تعصون الملك العلاَّم! أفيكم جلد على نار وقودها الناس والحجارة؟ أم رضيتم بأنفسكم لهذه الخسارة؟ فيا ويلاً لمن كانت النار له دار!
اللهم يا رب الأرباب! ويا مسبب الأسباب! ويا أرحم الراحمين نسألك أن تعيذنا من دار الهلكات من النار، يا رب العالمين.