للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عقوبة الأمن من مكر الله]

يا عباد الله! الذنوب والمعاصي لها عقوبات تتنوع على قدر تلك الذنوب والمعاصي، فتارة تكون العقوبة في الدين، وهي من أعظم العقوبات، أتدري ما هي عقوبة الدين يا عبد الله؟

أن يُحال بين العاصي المدمن على الذنوب وبين الإيمان، فيكون ليس عنده إيمان، أو يكون ناقص الإيمان، ويُحال بينه وبين حسن الخاتمة، نعوذ بالله من ذلك.

يقول الله جلَّ وعلا: {فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ} [الصف:٥] ويقول سبحانه: {وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [فصلت:٤٦].

ثم يقول جلَّ وعلا: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:١١٠] هذه عقوبة الدين {وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ} [الأنعام:١١٠].

وتارة تكون عقوبة المعاصي بالأبدان والأموال، من خسف، ومسخ، وإهلاك، وأخذ على غِرَّة وغفلة، كما أخبر الله جلَّ وعلا محذراً للأمة الإسلامية: {أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ فِي تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَحِيمٌ} [النحل:٤٥ - ٤٧].

أو يأخذهم وهم على المدرجات غافلون عن أمر الله، يمر وقت الصلاة ثم الصلاة وهم لا يبالون بذلك، أو يأخذهم وهم عند الأفلام والتمثيليات، تمر أوقات الفضائل وهم على ذلك، أو يأخذهم وهم عند الفيديو وعندما يُبَث فيه من البلاء الذي عمَّ وطمَّ، وأمرض القلوب، بل أماتها، أو يأخذهم وهم على البَلُوْت والكِنْكَان، يقضون أوقات الفضائل ليلة الخميس التي تعرض فيها الأعمال على الله، أو يوم الجمعة الذي تكون فيه الساعة، وفيه ساعة إجابة يا عباد الله!!

كل هذه أوقات قضوها في غفلة وإعراض عن الله عزَّ وجلَّ قال سبحانه: {أَفَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا بَيَاتاً وَهُمْ نَائِمُونَ * أَوَأَمِنَ أَهْلُ الْقُرَى أَنْ يَأْتِيَهُمْ بَأْسُنَا ضُحىً وَهُمْ يَلْعَبُونَ * أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٧ - ٩٩].

عباد الله! لا تغتروا بما بُسط لكم من النعمة، فإنه قد بُسط على مَن كان قبلكم من النعمة فظنوا أن الإمهال إهمال، فجاءهم أمر الله وهم غافلون {فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} [الحجر:٨٤] وما أُخذ قوم إلا عند غِرَّتهم وسلوتهم ونعمتهم، فلا تغتروا بالله، فإن أخذه أليم شديد.

عباد الله! ألا نتعظ؟ ألا نعتبر؟ أم قد ران على القلوب الران.

أمة الإسلام! إنها والله مصيبة عظمى، أن نرى ألوفاً مؤلفة تمر عليهم أوقات الصلوات وهم في غفلة معرضون.

أين الخوف من الله جل وعلا؟! أفأمنوا أن ينزل عليهم عذاب الله وهم في أماكنهم جالسون؟ {أَفَأَمِنُوا مَكْرَ اللَّهِ فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩] نعوذ بالله من الخسران.

أمة الإسلام! أين الدعوة إلى الله؟ البعض من الذين يجلسون على المدرجات، إذا قيل لهم: لماذا لم تصلوا؟ قالوا: نستحي ونخجل أن نقوم نصلي بين الجمهور، هذا الذي يحس بالصلاة يقول: نخجل، ويحصل عندنا الفشل والخجل، أن نقوم نصلي بين الجمهور!! الله أكبر! أين الخوف من الله يا عباد الله؟! أين الشعور بالإيمان يا عباد الله! ورسول الله صلى الله عليه وسلم يقول لـ معاذ: {لا تترك الصلاة وإن قُتِلْت وحُرِّقْت}.

والله عزَّ وجلَّ لم يسقط عن المصافِّين في سبيل الله، فكيف بالجالسين على المدرجات، ينتظرون الشوط الأول والأخير، كيف لا يحسون بهذا الشرع العظيم؟! كيف لا يخافون من رب السماوات والأرض؟! كيف لا يخافون مِن الذي خلقهم وأوجدهم من العدم إلى الوجود؟ كيف لا يخافون من الله الذي أسبغ عليهم هذه النعم، فقابلوها بخلاف شكرها، وقابلوا هذه النعمة بخلاف المطلوب منهم.

إن المطلوب والمقصود من المسلمين أن يشكروا الله عزَّ وجلَّ على هذه النعم، ولكن البعض من المسلمين قابلها بالنكران والكفران والعياذ بالله.

زد على ذلك! ما فعله البعض من الناس عندما نزل هذا الغيث -نسأل الله أن يجعله مباركاً- عندما عملوا ضربوا المخيمات، وهربوا عن الصلوات، فصارت تمر عليهم الأيام وهم لا يؤدون الجمعة في المساجد -فإنا لله وإنا إليه راجعون- وصدق الله العظيم: {لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم:٧].

عباد الله! إن الله إذا أُطيع رضي، وإذا رضي بارك، وليس لبركته نهاية، وإذا عُصي غضب، وإذا غضب لعن، ولعنتُه تبلغ السابع من الولد.

فيا عباد الله! أما ترون ظهور هذه المنكرات التي انتشرت في ناديكم، في الحاضرة والبادية، فلم تشمئز منها القلوب، ولم تتمعر لها الوجوه، فأين الغيرة يا عباد الله؟ أين الأنفة؟ أين الإيمان يا أمة الإسلام؟ لماذا لا تأمرون بالمعروف ولا تنهون عن المنكر؟ لماذا؟ أهذا اغترار بالله؟ أم أمْنٌ من مكر الله؟ {فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ} [الأعراف:٩٩].

أسأل الله بمنِّه وكرمه أن يردنا إليه رداً جميلاً، وأن يجعل لنا من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية.

اللهم ارحمنا، اللهم ارحمنا، اللهم لا تهلكنا بما فعل السفهاء منا.

{رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا وَإِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنَا وَتَرْحَمْنَا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الأعراف:٢٣].

عباد الله! ليبلغ الحاضر الغائب، أن المسلمين اليوم قد ابتعد الكثير منهم عن تعاليم الإسلام، فليرجعوا إلى الله قبل أن يحل بهم ما حل بِمَن قبلَهم من العذاب والنقمات.

أٌقول قولي هذا، وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه وتوبوا إليه، إنه هو الغفور الرحيم.