الحمد لله رب العالمين، الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، فمن أطاعهم واتبعهم فجزاؤه جنة النعيم، ومن عصاهم وخالف أمرهم فقد باء بغضب من الله ومأواه الجحيم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له في ملكه، كما لا شريك له في ربوبيته وألوهيته وأسمائه وصفاته، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أفضل رسول بعثه الله إلى خير أمة أخرجت للناس، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
فيا أيها المؤمنون بالله، وملائكته، وكتبه، ورسله، وباليوم الآخر، وبالقدر خيره وشره! يا من تؤمنون بالقرآن: اعلموا أن القرآن أنزل ليعمل بمحكمه، ويؤمن بمتشابهه، فيه عبرة لمن اعتبر، وتذكرة لمن أراد أن يتذكر، فيه وعد أكيد لمن انقاد وأطاع الأوامر وقام بها، فله جنة عالية قطوفها دانية، في نعيمٍ أبدي سرمدي، لا ينقطع ولا يزول ولا يحول، بجوار رب العالمين، وبرفقة المؤمنين، في شباب لا بعده هرم، وفي صحة لا بعدها سقم، في لذة لا يعقبها تنكيد ولا تنغيص، في دار النعيم، دار اللذة والسرور، دار البهجة والفرح، في دار لا يعتري من سكنها هم ولا غم ولا حزن، وأكمل نعيمها أن أهلها {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى وَوَقَاهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ}[الدخان:٥٦].
عباد الله: هذا لمن انقاد لأوامر الله واتبع القرآن، ثم إن في القرآن وعيد شديد لمن تعدى الحدود، وعصى المعبود، وخالف الأوامر وارتكب النواهي، فيا ويله ويا حسرته، وهو يطوف في جهنم بينها وبين حميم آن يسقى من الحميم، ويطعم الزقوم والغسلين، ويسحب فيها بالسلاسل، مكبلاً بالأغلال، في أضيق الأماكن مقرنين، تنهشهم الأفاعي والعقارب التي أعدت لذلك المكان، ثم عندهم ملائكة غلاظ شداد، معهم مقامع من حديد، يضربون بها وجوههم وأدبارهم، ويوبخونهم ويقولون لهم:{ذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ}[آل عمران:١٨١] وهم أبد الآبدين يصلون بنار حامية قد أطبقت عليهم، وهم يتعاوون فيها كما تتعاوى الكلاب، يبكون ولا يسمعون، ويدعون ولا يجابون إلا بأشد مما هم فيه {كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُوداً غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَاب َ) [النساء:٥٦] هذا لمن عصى الله وتعدى الحدود.