للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[صورة العالم يوم القيامة كما في سورة الانفطار]

الحمد لله الذي بيده ملكوت كل شيء, وهو القادر على كل شيء, وهو وحده لا شريك له, المتصرف في جميع مخلوقاته, يفعل ما يشاء ويختار, لا معقب لحكمه, أحمده سبحانه وأشكره, وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد:

أيها الناس: اتقوا الله عز وجل وأطيعوه.

عباد الله: تدبروا القرآن العظيم, قفوا عند عجائبه, وحركوا قلوبكم بمواعظه, ابكوا عند تلاوته فإن لم تبكوا فتباكوا فإنها من صفات العارفين, وكيف لا يبكي المؤمن وهو يعرف أن هذا القرآن هو كلام الله الذي لو أنزله الله على صُمِّ الجبال لتصدعت وخشعت من خشية الله عز وجل, هيبة وإجلالاً وتعظيماً لله عز وجل.

عباد الله: أمة الإسلام! أمة القرآن! يا خير أمة أخرجت للناس!

كفى بالقرآن واعظاً وزاجراً لمن كان له عقل يتدبر، أو أصغى للموعظة وهو حاضر القلب ليتذكر ويعتبر.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم, بسم الله الرحيم الرحيم: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ * وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ * وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ * وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:١ - ٤] نعم -يا عباد الله- إذا حصل هذا الحادث العظيم في يوم خطير وهو يوم القيامة: {إِذَا السَّمَاءُ انْفَطَرَتْ} [الانفطار:١] أي: تشققت بأمر الله عز وجل لنزول الملائكة, قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً} [الفرقان:٢٥] في ذلك اليوم العظيم لمن الملك؟ الله عز وجل يقرر ذلك ويقول: {الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ} [الفرقان:٢٦] ذلك اليوم العظيم يوم القيامة.

{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انْتَثَرَتْ} [الانفطار:٢] أي: النجوم تساقطت وتناثرت، وتبدلت بعد الضياء كدوراً, وزالت عن أماكنها وبروجها.

{وَإِذَا الْبِحَارُ فُجِّرَتْ} [الانفطار:٣] أي: فتح بعضها على بعض, فاختلط عذبها بمالحها, وأصبحت بحراً واحداً بقدرة العزيز الجبار.

{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:٤] أي: نبش ما فيها من الموتى قال تعالى: {وَاسْتَمِعْ يَوْمَ يُنَادِ الْمُنَادِ مِنْ مَكَانٍ قَرِيبٍ * يَوْمَ يَسْمَعُونَ الصَّيْحَةَ بِالْحَقِّ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُرُوجِ * إِنَّا نَحْنُ نُحْيِي وَنُمِيتُ وَإِلَيْنَا الْمَصِيرُ * يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعاً ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:٤١ - ٤٤].

في ذلك اليوم العظيم يأمر الله ملكاً أن ينادي على صخرة بيت المقدس: أيتها العظام البالية! والأوصال المتقطعة! إن الله يأمركن أن تجتمعن لفصل القضاء, في ذلك اليوم العظيم الذي قال الله فيه: {عَلِمَتْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ وَأَخَّرَتْ} [الانفطار:٥] أي: علمت كل نفس في ذلك الموقف العظيم وفي ذلك اليوم الرهيب ما أسلفت من خير وشر, قال تعالى: {يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَمَا عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً} [آل عمران:٣٠] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦] لماذا؟ {لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٧].