[علامات الساعة الصغرى والكبرى]
أيها الإخوة في الله: أذكر ما تيسر من علامات الساعة الكبرى والصغرى، ولكن سوف يكون على غير ترتيب، فربما قدمت، وربما أخرت، وذلك حسب اطلاعي وعلمي القاصر، فمن علامات الساعة -أيها الإخوة في الله- ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يرفع العلم، ويظهر الجهل، ويشرب الخمر، وتسمى بغير اسمها.
وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم فقد ظهر الجهل في كثيرٍ من البلدان، ومع الأسف الشديد حتى التي تدعي أنها بلدان إسلامية، وشربت الخمور وسميت بغير اسمها، سميت حشيشاً وسميت (وسكي) وسميت غير ذلك من الحبوب المخدرات والمسكرات، التي ابتلي بها كثيرٌ من الناس، أضاع بها عقله وشرفه وماله وحياته، فنسأل الله العفو والعافية، ونسأل الله الثبات على دينه.
ومن علامات الساعة أن يفشو الزنا، ويقل الرجال، وتكثر النساء حتى يكون للخمسين امرأة قيمٌ واحد.
أيها الإخوة في الله: أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: {لا تقوم الساعة حتى تقتتل فئتان تكون بينهما مقتلةٌ عظيمةٌ دعوتهما واحدة} فسر العلماء هذا الحديث العظيم بما وقع في زمن علي ومعاوية رضي الله عنهما، حيث كانت كل من الفئتين تدعو إلى ما تراه أنه الحق حيث نتج عن تلك المقتلة نحو سبعين ألفاً على ما قيل.
وأيضاً أخبر صلى الله عليه وسلم أنه يخرج بعده دجالون كذابون قريبٌ من ثلاثين كلهم يزعم أنه رسول الله، وقد ظهر كثيرٌ منهم، ولا رسول ولا نبي بعد محمد صلى الله عليه وسلم، كما قال تعالى: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً} [الأحزاب:٤٠].
وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى يقبض العلم، فالمراد بالعلم هو العلم الشرعي علم الكتاب والسنة على صاحبها أفضل الصلاة وأتم التسليم، وأيضاً قبض العلم يكون بموت العلماء كما صح ذلك عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تكثر الزلازل، وهي نوعان:
زلازل حسية تهز الأرض هزاً، فتدمر القرى والمساكن.
وزلازل معنوية تزلزل الإيمان والعقيدة، والأخلاق والسلوك، حتى يضطرب الناس في عقائدهم وأخلاقهم وسلوكم.
نسأل الله العفو والعافية، اللهم إنا نسألك الثبات على دينك، اللهم إنا نسألك الثبات على دينك، إنها فتنٌ يصبح العاقل الحليم فيها حيراناً.
أيضاً يخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتقارب الزمان، فيقرب أوله من آخره، وذلك بكثرة الغفلة، وفشل الأعمال والأوقات حتى يمضي الزمن الكثير، والإنسان ما صنع إلا شيئاً قليلاً، أو يحتمل معنىً آخر وهو: سرعة إنجاز الأمور التي لا تنجز إلا بزمنٍ كثيرٍ كما يشاهد اليوم في وسائل النقل ووسائل الإعلام، فكم من بلدٍ لا يوصل إليه إلا بعد أشهر، والآن يوصل إليه بزمن قليل، فصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً ما أخبر به صلى الله عليه وسلم في الحديث المشهور حين سأله جبريل عليه السلام عن الساعة، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: {ما المسئول عنها بأعلم من السائل، ولكن سأخبرك عن أماراتها: أن تلد الأمة ربتها، وأن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاة يتطاولون في البنيان}.
وأيضاً يخبرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما يروي عنه حذيفة بن أسيد قال: {كان النبي صلى الله عليه وسلم في غرفة ونحن أسفل منه، فاطلع علينا، فقال: ما تذكرون؟ قلنا: الساعة، قال: إن الساعة لا تكون حتى تكون عشر آيات: خسفٌ بالمشرق، وخسفٌ بالمغرب، وخسفٌ في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونارٌ تخرج من قعر عدن تُرحِّل الناس} أي: تأخذهم بالرحيل وتزعجهم.
يا عباد الله! يا أمة الإسلام! بادروا بالتوبة إلى الله، بادروا بالأعمال الصالحة، فإنها إذا حصلت العلامات الكبرى أغلق باب التوبة، قال الله تعالى: {يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لا يَنْفَعُ نَفْساً إِيمَانُهَا لَمْ تَكُنْ آمَنَتْ مِنْ قَبْلُ أَوْ كَسَبَتْ فِي إِيمَانِهَا خَيْراً} [الأنعام:١٥٨] قال ابن كثير رحمه الله تعالى في تفسير هذه الآية: وذلك قبل يوم القيامة كائنٌ من أمارات الساعة وأشراطها حين يرون شيئاً من أشراط الساعة، وكما قال البخاري رحمه الله في تفسير هذه الآية: عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: {لا تقوم الساعة حتى تطلع الشمس من مغربها، فإذا رآها الناس آمن من عليها، فذلك حين لا ينفع نفساً إيمانها لم تكن آمنت من قبل، أو كسبت في إيمانها خيراً}.
عباد الله: البدار البدار بالتوبة النصوح.
أيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، فتن الدين والدنيا، أما فتن الدين فكل ما يصد عن الإيمان بالله، والقيام بأمره، واتباع هدي نبيه صلى الله عليه وسلم من العقائد الفاسدة والأفكار الهدامة، والسلوك المنحرف، والصد عن ذكر الله وعن الصلاة بالاشتغال بالشهوات واللذائذ المحرمة، وأما فتن الدنيا، فما يحصل من القتل والخوف والسلب والنهب، وظهور الفتن دليل على ضعف العلم الصحيح والإيمان الخالص، ويقول صلى الله عليه وسلم: {بادروا بالأعمال الصالحة، فستكون فتنٌ كقطع الليل المظلم يصبح الرجل مؤمناً ويمسي كافراً، ويمسي مؤمناً ويصبح كافراً يبيع دينه بعرضٍ من الدنيا}.
وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر القتل، سواءٌ كان ذلك بالحروب، أو بالاغتيالات، وقد حصل ذلك أيها الإخوة في الله.
فنسأل الله الكريم رب العرض العظيم أن يجعل لنا من كل همٍ فرجاً، ومن كل ضيقٍ مخرجاً، ومن كل بلوىً عافية.
أيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يكثر المال، ويهم الرجل من يقبض صدقته، وحتى يعرض الرجل على الرجل هبةً أو صدقةً فيقول: لا حاجة لي بها.
وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يتطاول الناس في البنيان، وذلك دليلٌ على اشتغال الناس في أحوال دنياهم دون أحوال دينهم؛ لأن التطاول في البنيان يشغل القلب والبدن، فيلهو به الإنسان عن مصالح دينه.
وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل، فيقول: ليتني مكانه، وذلك لما يرى من الأمور العظام، التي يفضل الموت عليها من عظيم البلاء، واستيلاء الباطل في الأحكام، وعموم الظلم، واستحلال الحرام.
وأيضاً يخبر صلى الله عليه وسلم في قوله: {ليكونن في آخر الزمان أقوام من أمتي يستحلون الحر والحرير والخمر والمعازف} وقد حصل هذا، فنسأل الله جلت قدرته أن ينجينا من مضلات الفتن إنه على كل شيءٍ قدير.
وأيضاً أخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الساعة لا تقوم حتى تطلع الشمس من المغرب، ويختل نظام سيرها، فحينئذٍ يعلم الناس أنها تسير بتقدير الله وأمره فيؤمنون، ولكن لا إيمان ينفع في تلك اللحظة إلا من كان مؤمناً من قبل، أو كسب في إيمانه خيراً، ثم ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم أربعة أمثال تبين أن الساعة تقوم بغتة، فقال صلى الله عليه وسلم: {تقوم الساعة والرجلان بينهما ثوبٌ قد فلاه يتبايعانه، فلا يمكنهما البيع ولا طي الثوب، وتقوم والرجل قد انصرف بلبن ناقته ليشربه، فلا يتمكن من شربه، وتقوم والرجل يصلح حوض إبله ليسقيها، فلا يسقي فيه، وتقوم وقد رفع اللقمة إلى فمه، فلا يطعمها}.
الله أكبر -يا عباد الله- ومن علامات الساعة الكبرى التي أسأل الله بمنه وكرمه أن يجيرنا منها إنه على كل شيءٍ قدير، ألا وهو الدجال، وقد ورد في ذلك أحاديث كثيرة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم منها ما رواه النواس بن سمعان رضي الله عنه وأرضاه قال: {ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم الدجال ذات غداة، فخفض فيه ورفع، حتى ظنناه في طائفة النخل، فلما ذهبنا إليه، عرف ذلك فينا، فقال: ما شأنكم؟ قلنا: يا رسول الله! ذكرت الدجال غداةً، فخفَّضت فيه ورفَّعت حتى ظنناه في طائفة النخل، فقال صلى الله عليه وسلم: غير الدجال أخوفني عليكم، إن يخرج وأنا فيكم فأنا حجيجه دونكم، وإن يخرج ولست فيكم فامرؤٌ حجيج نفسه، والله خليفتي على كل مسلم.
إنه شابٌ قطط عينه طافئة، كأني أشبهه بـ عبد العزى بن قطن، فمن أدركه منكم، فليقرأ عليه فواتح سورة الكهف، فإنه خارجٌ خلةً بين الشام والعراق، فعاث يميناً وعاث شمالاً، يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا، يا عباد الله فاثبتوا} هكذا يوصي رسول الله صلى الله عليه وسلم عند خروج هذه الفتنة الكبيرة وهو الدجال، يأمر بالثبات.
اللهم إنا نسألك الثبات، اللهم إنا نسألك الثبات، اللهم إنا نسأل الثبات، قلنا: {يا رسول الله! وما لبثه في الأرض؟ قال: أربعون يوماً، يومٌ كسنة، ويوم كشهر، ويوم كجمعة، وسائر أيامه كأيامكم، قلنا: يا رسول الله! فذلك اليوم الذي كسنة أتكفينا فيه صلاة يوم؟ قال: لا، اقدروا له قدره.
قلنا: يا رسول الله! وما إسراعه في الأرض؟ قال: كالغيث استدبرته الريح فيأتي على القوم -اسمعوا يا عباد الله، يا لها من فتنة! يا لها من محنة! نسأل الله الثبات- فيأتي على القوم، فيدعوهم، فيؤمنون به ويستجيبون له، فيأمر السماء فتمطر، والأرض فتنبت، فتروح عليهم سارحتهم أطول ما كانت ذُرا، وأسبغه ضروعاً، وأمده خواصر، ثم يأتي القوم فيدعوهم، فيردون عليه قوله، فينصرف عنهم، فيصبحون ممحلين ليس بأيديهم شيءٌ من أموالهم، ويمر بالخربة، فيقول لها: أخرجي كنوزكِ فتتبعه كنوزها كيعاسيب النحل، ثم يدعو رجلاً ممتلئاً شباباً، فيضربه بالسيف، فيقطعه جزلتين رمية الغرض، ثم يدعوه -يدعو هذا الشاب- فيقبل ويتهلهل وجهه يضحك، فبينما هو كذلك} وفي رواية: {ثم يقول لهذا الشاب: أوما تؤمن بي؟ قال: ما ازددت فيك إلا بصيرة، فيأخذه ليذبحه، فلا يستطيع عليه}.
{فبينما هو كذلك يعيث في الأرض فساداً، إذ بعث الله المسيح بن مريم عليه السلام، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه، تحدر منه جُمانٌ كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نفسه إلا مات، ونفسه ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه حتى يدركه في لج -عيسى بن مريم عليه السلام يطلب المسيح الدجال- فيدركه بـ باب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قومٌ قد عصمهم الله من الدجال، فيمسح عن وجوههم ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى: إني قد أخرجت عباداً لي لا يَدَان لأحدٍ بقتالهم، فحرِّزْ عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدبٍ ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر آخرهم فيقولون: لقد كان بهذه مرةً ماء، ويُحصر نبي الله عيسى وأصحابه حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيرٌ من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه فيرسل الله عليهم النغف في رقابهم، فيصبحون فرسى كموت نفسٍ واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبرٍ إلا ملأه زهمهم ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله جل وعلا، فيرسل الله طيراً كأعناق البخت فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً لا يكنّ منه بيت مدر، ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة، ثم يقال للأرض: أنبتي ثمرتك وردي بركتك، فيومئذٍ يأكل العصابة من الرمانة ويستظلون بقحفها ويبارك في الرسل حتى أن اللقحة من الإبل لتكفي الفئام من الناس، واللقحة من البقر لتكفي القبيلة من الناس، واللقحة من الغنم لتكفي الفخذ من الناس، فبينما هم كذلك إذ بعث الله ريحاً طيبةً، فتأخذهم تحت آباطهم، فتقبض روح كل مؤمن وكل مسلم، ويبقى شرار الناس يتهارجون في الأرض تهارج الحمر، فعليهم تقوم الساعة}.