للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عائشة لا تعرف الخبر إلا بعد شهر]

{قالت رضي الله عنها: فانطلقت أنا وأم مسطح فأقبلت قبل بيتي حين فرغنا من شأننا, فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت: تعس مسطح، فقلت لها: بئس ما قلتِ! أتسبين رجلاً شهد بدراً؟ أي هنتاه , أو لم تسمعي ما قال؟ قلت: وما قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك, فازددت مرضاً على مرضي, فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم قال: كيف تيكم؟ فقلت له: أتأذن لي أن آتي أبوي، وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما, فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت لأمي: يا أمتاه! ماذا يتحدث الناس؟ قالت: يا بنية! هوني عليك فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة عند رجل يحبها لها ضرائر إلا كثّرن عليها, فقلت: سبحان الله! أو لقد تحدث الناس بهذا؟ فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم, ثم أصبحت أبكي.

قالت رضي الله عنها: ودعا رسول الله صلى الله عليه وسلم علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله, فأما أسامة فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله، وبالذي يعلم لهم في نفسه, فقال أسامة: أهلك ولا نعلم إلا خيراًَ, وأما علي فقال: يا رسول الله! لم يضيق الله عليك، والنساء سواها كثير، وسل الجارية تصدقك الخبر, قالت: فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية بريرة , فقال: أي بريرة، هل رأيت من شيء يريبك؟ قالت له بريرة: والذي بعثك بالحق، ما رأيت عليها أمراً قط أغمصه، غير أنها جارية حديثة السن تنام عن عجين أهلها، فتأتي الداجن فتأكله.

فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم من يومه فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول وهو على المنبر, وقال: يا معشر المسلمين! من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي, والله ما علمت على أهلي إلا خيراً, ولقد ذكروا رجلاً ما علمت عليه إلا خيراً, وما يدخل على أهلي إلا معي, فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل, فقال: أنا يا رسول الله أعذرك، فإن كان من الأوس ضربت عنقه, وإن كان من إخواننا الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك, فقام رجل من الخزرج وهو سعد بن عبادة وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحمية، فقال لـ سعد: كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل, فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد , فقال لـ سعد بن عبادة: كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين.

فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله صلى الله عليه وسلم قائم على المنبر -هكذا يدس المنافقون على الإسلام والمسلمين, حتى يفرقوا جمعهم ويشتتوهم ويجعلوهم شذر مذر, ولكن رحمة أرحم الراحمين- فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يخفضهم حتى سكتوا, وتقول عائشة رضي الله عنها: فبكيت يومي ذلك لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويوماً, حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي.

}.