[الفرار من القرابة يوم القيامة من شدة الهول]
عند ذلك في ذلك العرض العظيم {يوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ} [المطففين:٦] {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٦].
أخوك إذا مرضت جلس عندك في المستشفى، ولو طالت الأيام، وصاحبتك تساهرك الليل والنهار، وأمك وأبوك إذا خرجت إلى السوق وطالت غيبتك جعلا يبكيان حتى تعود إلى البيت، أما في هذا الموضع العظيم والموقف الكبير والمهول {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ} [عبس:٣٤ - ٣٧].
نفسي نفسي، لا أسألك اللهم اليوم إلا نفسي، كلٌ يتبرأ من صاحبه، في ذلك المكان يعرض عنك الصديق ويهرب منك الأخ، وتلقى من الهول الشديد كل ما أزعجك وأساءك: {لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا} [ق:٢٢] من هذا الأمر الذي حذرك الله إياه، وفي ذلك الموقف العظيم تجري الدموع، والعرق يمتد في الأرض أذرعةً طويلة، والشمس حامية، وجهنم تزفر، والرب غضبان، يوم طوله خمسين ألف سنة تتقطع الأكباد فيه من الحسرات، تزفر جهنم على أهلها، وتشهق فرحةً بهم كما تشهق البغلة في الشعير.
لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم! في ذلك اليوم توضع الموازين التي تنزعج لوضعها القلوب، ويقع الخصام ويقول الحق جلَّ وعلا: قد أزلت المُطل والليْ، وفصل هذا الأمر إليَّ، وانتصاف المظلوم من الظالم عليَّ، يا ويلك يا ظالم إن خرجت بمظالمك من الدنيا وأنت ظالم لعباد الله، يا ويلك إذا وقفت بين يدي الله، يا ويلك إذا أنشبت بك الخصوم أظفارها: {قَالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَقَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ} [ق:٢٨].
حقاً لقد أنذرنا ربنا بالقرآن، فحذرنا من عواقب المعاصي والآثام، وأمرنا باجتناب الظلم، وحرمه على نفسه جلَّ وعلا، وأمرنا باجتناب الإجرام، وبأخذ الحلال واجتناب الحرام.
فهل من مستمع؟! هل من مطبق قبل أن يقال: {مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ} [ق:٢٩]؟!
يا عباد الله: إن أمامكم يوم القيامة؛ يومٌ تشخص فيه الأبصار وتذهل فيه العقول: {يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلأْتِ وَتَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ} [ق:٣٠].
فهنيئاً لمن أطاع الله ورسوله، وامتثل الأمر وأدى الفروض، وانتهى عما نهاه الله عز وجل، فسوف يكون مع المؤمنين إذا جاءتهم البشارة السارة، وفازوا بالكرامات من الله إذا قال الله: {وَأُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍِ * هَذَا مَا تُوعَدُونَ} [ق:٣١ - ٣٢] لمن يا ربنا؟ {لِكُلِّ أَوَّابٍ حَفِيظٍ * مَنْ خَشِيَ الرَّحْمَنَ بِالْغَيْبِ وَجَاءَ بِقَلْبٍ مُنِيب * ادْخُلُوهَا بِسَلامٍ ذَلِكَ يَوْمُ الْخُلُودِ} [ق:٣٢ - ٣٤].
ولا ينتهي ما فيها {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:٣٥] كرامات تتبع كرامات، رضوان من الله في جوار رب العالمين.
أيها الناس: اتقوا ربكم عز وجل، فروا من النار، فروا من دار الهلكات، فروا من الجحيم ما دمتم في وقت الإمكان، فروا إلى دار الرحمة، إلى الدار التي طاب ساكنها ومسكنها، في نعيم أبدي لا يزول ولا يحول في جوار أرحم الراحمين.
اللهم اجعلنا من أهل الجنة بمنك وكرمك وإحسانك، اللهم اجعلنا من أهل الجنة بجودك وفضلك، اللهم اجعلنا من أهل الجنة يا رب العالمين، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، اللهم لا تجعلنا من أهل النار، واغفر اللهم لنا ولوالدينا ولوالد والدينا، ولجميع المسلمين الأحياء منهم والأموات، برحمتك يا أرحم الراحمين، واستغفروا الله يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.