أيتها الأخوات في الله! كم من إنسان يقول: سوف أتوب لكني الآن في عنفوان الشباب! فما يدري إلا وقد نزل به هادم اللذات، فإنا لله وإنا إليه راجعون.
أختي في اللهَ! إن ملك الموت لا يستأذن على أحد، إن ملك الموت يأتي بغتة، ولا يستأذن من أحد، ولا يدخل من الأبواب، يقول الرب جل وعلا:{وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَداً وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ}[لقمان:٣٤] فكم من إنسان أصبح معافى وأمسى ميتاً وكم من إنسان أمسى معافى وأصبح ميتاً، مجاوراً للموتى بعد ما كان مع الأحياء.
فيا أيتها الأخوات في الله! علينا جميعاً أن نستعد لهذا الخطب الفادح الذي يدخل من دون استئذان، فكم أخذ الآباء من بين أولادهم ولم يرحم بكاءهم، وكم أخذ الأم من بين أطفالها ولم يرحم صغيرهم، وكم أخذ الأطفال من بين يدي الأم والأب، إنه الموت هادم اللذات فكم فيه من الغصص والسكرات، ثم لا تنسي -أختي في الله- أين المصير بعد الموت، إنه إلى المقابر إما في روضة من رياض الجنة، أو في حفرة من حفر النار، ثم لا تنسي سؤال منكرٍ ونكير، ثم بعد ذلك لا تنسي القيامة وما فيها من الأهوال، ثم لا تنسي الوقوف بين يدي رب العزة والجلال، حفاةً عراةً غرلاً، الرجال والنساء جميعاً، وقد خشعت الأبصار، وذلت الرقاب، لا تنسي أختي في الله ذلك اليوم العظيم، الذي قال الله عنه:{يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ * وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ * وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ * لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}[عبس:٣٤ - ٣٧].
إنه ذلك اليوم العظيم الذي يشيب فيه الولدان، وتضع فيه الحوامل حملها، وتذهل كل مرضعة عما أرضعت، وتصيب الناس في ذلك اليوم من الأمر العظيم ما يدهش العقول.
أسأل الله الكريم رب العرش العظيم ألا يفرق جمعنا هذا إلا وقد استفدنا، اللهم اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.