[حال المؤمنين يوم القيامة]
أما الذين قاموا بطاعة الله عز وجل فلهم البشرى في الحياة الدنيا فهنيئاً لمن أطاع الله وأطاع الرسل وقام بما أوجب الله عليه، ففي الحياة الدنيا يعيش عيشة طيبة, ويحيا حياة سعيدة, قال الله سبحانه وتعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [النحل:٩٧] ويوم القيامة ينجيهم الله من كُرب القيامة ومن أهوالها وشدائدها, وتُبيَّض وجوههم، ويأخذون صحائفهم بأيمانهم، قال الله تعالى: {وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [الزمر:٦١] الله أكبر! هذه البشرى لهم يوم القيامة, وكذلك عندما تخرج أرواحهم تنزل عليهم البشرى من رب العزة والجلال لماذا؟ لأنهم آمنوا بالله واستقاموا على طاعته، قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} [فصلت:٣٠] وفي قبره يقول له عمله الصالح: أبشر بالذي يسرك أنا عملك الصالح يا لها من فرحة! ويا لها من تجارة رابحة! ويا له من سرور وغبطة ومستقبل لا يدانيه مستقبل! لأولئك الذين أطاعوا الله ورسله, وقاموا بما أوجب الله عليهم فهنيئاً ثم هنيئاً لهم إذا قيل يوم القيامة: {وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ} [الزمر:٧٣].
تذكر يا عبد الله! إن كنت مع هؤلاء الزمرة كيف تدخل ووجهك مشرق بياضاً فرحاً, وتذكر إن كنت مع أولئك الذي عصوا الله، فتب إلى الله عز وجل إذا كانت أحوالك مثل أحوال السابقين الذين يساقون إلى نار جهنم؛ فبادر إلى التوبة قبل أن يحول بينك وبينها هاذم اللذات, ومفرِّق الجماعات وإن كانت أحوالك طيبة فزد من ذلك، واسأل الله الثبات.
فعند ذلك أهل الجنة عندما يدخلون الجنة يحمدون الله جل وعلا أن سلمهم من نار جهنم، وما فيها من الأنكال والأغلال والزقوم والصديد والغِسلين والضريع, وما فيها من الأودية والمقامع والعقارب والحيات, والزبانية الشداد الغلاظ يحمدون الله أن أورثهم الجنة بما فيها من النعيم المقيم الذي لم تر العيون, ولم تسمع الآذان مثله, ولم يخطر على بال، فيها الأنهار والحلل والقصور والحور العين واللذة والسرور، بجوار مالك الملك، وبصحبة الأنبياء المقربين, ومرافقة النبيين والصديقين والشهداء والصالحين.
اسمعوا إلى أهل الجنة ماذا يقولون وهم في تلك المحلة الآمنة: {وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ} [الزمر:٧٤] الله أكبر! هي تلك النهاية -يا عباد الله- عندما يؤتى بالموت في صورة كبش أملح, ثم يذبح بين الجنة والنار, ثم يقال لأهل الجنة: يا أهل الجنة خلود فلا موت! ويا أهل النار خلود فلا موت!
فإذا تذكرنا تلك الأهوال, وتذكرنا الموت وما بعده, وتذكرنا القبر وما فيه؛ وأنه إما روضة من رياض الجنة, أو حفرة من حفر النار ثم إذا تذكرنا المنصرف يوم القيامة، قال تعالى: {فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ} [الشورى:٧] إذا تذكرنا من يُركبون على النجائب إلى الجنة, وتذكرنا من يسبحون إلى النار؛ فعند ذلك يحصل عندنا الاهتمام لما أمامنا.