للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تحمله المشاق من أجل نشر الإسلام]

اجتمع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في مكة في أول الإسلام وكانوا ثمانية وثلاثين رجلاً، فألح أبو بكر على رسول الله صلى الله عليه وسلم في الظهور من الدار، فقال: يا أبو بكر إنا قليل، فلم يزل أبا بكر يلح حتى ظهر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتفرق المسلمون في نواحي المسجد الحرام، كل رجل في عشيرته.

وقام أبو بكر في الناس خطيباً، ورسول الله صلى الله عليه وسلم جالس، فكان أول خطيب دعا إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، وثار المشركون على أبي بكر رضي الله عنه وعلى المسلمين، فضربوا في نواحي المسجد ضرباً شديدا، ووطئ أبو بكر وضرب ضرباً شديداً، ودنى منه الفاسق عتبة بن ربيعة، فجعل يضربه بنعلين مخصوفتين، ويحرفهما لوجهه، ونزل على بطن أبي بكر رضي الله عنه حتى ما يعرف وجهه من أنفه، وجاء بنو تميم يتعادون، فأجلت المشركين عن أبي بكر، وحملوه في ثوب حين أدخلوه منزله ولا يشكون في موته، ثم رجعت بنو تميم، فدخلوا المسجد، وقالوا: والله لئن مات أبو بكر لنقتلن عتبة بن ربيعة، ورجعوا إلى أبي بكر رضي الله عنه، وهو في إغمائه، فجعل أبوه وبنو تميم يكلمون أبا بكر، حتى أجاب فتكلم آخر النهار، فلما أفاق من إغمائه، ماذا قال يا عباد الله؟ قال: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ وإذا عنده أولئك الجهلة، فمسُّوه بألسنتهم وعذلوه، ثم قاموا وقالوا لأمه: انظري أن تطعميه شيئاً أو تسقيه إياه.

فلما خلت به -أي: خرج عنه أبوه وبنو تميم- ألحت عليه، وجعل يقول: ما فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: ما لي علم بصاحبك، فقال رضي الله عنه: اذهبي إلى أم جميل بنت الخطاب، فاسأليها، فخرجت حتى جاءت أم جميل، فقالت: إن أبا بكر يسألك عن محمد بن عبد الله، فجاءت إليه وأخبرته أن محمداً سالم صحيح، قال: أين هو؟ قالت: في دار ابن الأرقم، قال: فإن لله عليَّ ألا أذوق طعاماً ولا أشرب حتى آتي رسول الله صلى الله عليه وسلم، قالتا له: فأمهلنا، حتى إذا هدأت الرِجل وسكن الناس، فراحتا به يتكأ عليهما حتى أدخلتاه على رسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال: فأكب عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم فقبله، وأكب عليه المسلمون، ورق له رسول الله صلى الله عليه وسلم رقة شديدة، فقال أبو بكر: بأبي أنت وأمي يا رسول الله! ليس بي بأس إنما نال الفاسق من وجهي، وهذه أمي برة بولدها، وأنت مبارك فادعها إلى الله، وادع الله لها عسى الله أن يستنقذها بك من النار، قال: فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعاها إلى الله فأسلمت، وأقاموا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في الدار شهراً وهم تسعة وثلاثون رجلاً.