للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خروج موسى عليه السلام وقومه إلى الشام]

فلما أطاعوه وتمادوا في كفرهم وطغيانهم أوحى الله تعالى إلى موسى أن يخرج بالمسلمين من أرض مصر ليلاً, فخرج بهم فساروا مستمرين قاصدين بلاد الشام فلما علم فرعون بذهابهم غضب عليهم غضباً شديداً, وجمع جيشه وجنوده ليلحقهم ويمحقهم, فأخرجه الله من جنات وعيون وكنوز ومقام كريم, ليجعلها ربنا جلَّ وعلا لموسى وقومه من بعد فرعون وقومه.

فركب فرعون في جنوده طالباً موسى وقومه, فأدركهم عند شروق الشمس, قريباً من البحر, وتراءى الجمعان ولم يبق إلا المقاتلة، فعند ذلك قال أصحاب موسى: إنا لمدركون, ذلك لأنهم انتهوا في طريقهم إلى البحر فليس لهم طريق ولا محيد إلا سلوك البحر وخوضه, وهذا ما لا يستطيعه أحد, والجبال عن يسرتهم وعن أيمانهم، وهي شاهقة رفيعة، وفرعون قد غالقهم وسدَّ عليهم طريق الرجعة بجيوشه وجنوده, وقد عرفوا منه البطش والفتك فشكوا إلى نبي الله موسى عليه السلام, وقالوا: إنا لمدركون.

فقال موسى عليه السلام -الواثق بوعد الله الذي لا يخلف الميعاد-: {قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ} [الشعراء:٦٢] فأوحى الله إلى موسى: {أَنِ اضْرِبْ بِعَصَاكَ الْبَحْرَ} [الشعراء:٦٣] فتقدم صلوات الله وسلامه عليه إلى البحر, وهو يتلاطم بأمواجه, فلما ضربه انفلق وانفتح اثنتي عشرة طريقاً يابسة, لا وحل فيها, وصار الماء السيال بين هذه الطرق كأطواد الجبال.

الله أكبر لا إله إلا الله, اللهم إنا نسألك إيماناً دائماً كاملاً, يباشر قلوبنا ويقيناً صادقاً.

فانحدر موسى هو وجنوده في هذه الطرق اليابسة التي كانت بحراً يتلاطم, وصارت بقدرة الله طرقاً يابسة فانحدر فيها موسى وقومه مسرعين مستبشرين مبادرين, ودخل فرعون وجنوده في أثرهم، فلما جاوز موسى وقومه وخرج آخرهم من البحر وتكامل فرعون وقومه في داخل البحر أطبقه الله عليهم, وعاد إلى حالته الأولى, مياه وأمواج فأغرقهم أجمعين, أجسامهم إلى الغرق, وأرواحهم إلى الحرق, {النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْهَا غُدُوّاً وَعَشِيّاً} [غافر:٤٦].

فانظروا رحمكم الله إلى هذا الحدث العظيم, والنصر المبين الذي ظهر فيه الحق على الباطل في اليوم العاشر من المحرم, فقد روى البخاري رحمه الله في صحيحه عن ابن عباس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة واليهود تصوم عاشوراء, فقال: {ما هذا اليوم الذي تصومونه؟ فقالوا: هذا يوم ظهر فيه موسى على فرعون, قال النبي محمد صلى الله عليه وسلم لأصحابه: أنتم أحق بموسى منهم فصوموا} فيستحب صيام اليوم العاشر شكراً لله تعالى فقد صامه موسى عليه السلام شكراً لله, وصامه محمد صلى الله عليه وسلم وأمر بصيامه, وقال في فضله صلى الله عليه وسلم: {أحتسب على الله صيام اليوم العاشر أن يكفر السنة التي قبله}.

وينبغي للمسلم أن يصوم اليوم الذي قبله لتحصل مخالفة اليهود بذلك, فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: {لئن بقيت إلى قابل لأصومن التاسع} فصوموا اليوم التاسع والعاشر, أو العاشر والحادي عشر.

واعلموا أن الخير كل الخير في اتباع كتاب الله وسنة رسول الله, قال صلى الله عليه وسلم: {أصدق الحديث كلام الله, وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم, وإياكم ومحدثات الأمور فإن كل محدثة بدعة, وكل بدعة ضلالة}.

عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى علي صلاة صلى الله عليه بها عشراً}.

اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد وارض اللهم عن خلفائه الراشدين أبي بكر وعمر وعثمان وعلي , وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين وعن التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين, وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.

اللهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام أعز الإسلام والمسلمين, اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين عاجلاً غير آجل, اللهم أذل الشرك والمشركين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, كما دمرت فرعون وقومه يا رب العالمين, اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين, كما دمرت فرعون وقومه يا رب العالمين, اللهم نصرك المبين لعبادك المؤمنين الموحدين المجاهدين منهم والقاعدين, اللهم انصرنا وانصر المجاهدين في سبيلك أجمعين الذين يريدون إعلاء كلمة الله, إنك على كل شيء قدير.

اللهم اغفر لنا ولوالدينا ولوالد والدينا ولجميع المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات, الأحياء منهم والأموات, برحمتك يا أرحم الراحمين, اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى, وصفاتك العليا أن تصلحنا وتصلح ولاة أمورنا, وتصلح أولادنا وأزواجنا وجميع إخواننا المسلمين, في مشارق الأرض ومغاربها, اللهم وحد صفوف المسلمين, واجمع كلمتهم على الحق يا رب العالمين, واجعلنا جميعاً هداة مهتدين آمرين بالمعروف فاعلين له, ناهين عن المنكر مجتنبين له إنك على كل شيء قدير.

اللهم ارفع عنا الغلاء والوباء والربا والزنا واللواط والزلازل والمحن وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عنا وعن جميع المسلمين يا رب العالمين, اللهم ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

اللهم أغث قلوبنا بالإيمان, اللهم اجعلنا لا نتوكل إلا عليك, ولا نستعين إلا بك, اللهم ولا نستهدي إلا أنت, ولا نسترزق إلا أنت, يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام, اللهم انصرنا ولا تنصر علينا, اللهم آثرنا ولا تؤثر علينا, اللهم كن لنا ولا تكن علينا, اللهم امكر لنا ولا تمكر علينا.

ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار, واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم, واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.