[دعوة الرسول إلى محبة الله]
أمة الإسلام: اتبعوا هذا الرسول النبي الكريم صلوات الله وسلامه عليه, وأطيعوه فيما دعاكم إليه, فقد دعاكم إلى توحيد الله جلَّ وعلا, ودعاكم إلى إفراد الله بالعبادة, ودعاكم إلى محبة الله تعالى, فوالله ثم والله إن أنفع المحبة على الإطلاق وأوجبها، وأعلاها وأجلها محبة الله الذي جبلت القلوب على محبته, وفطرت الخليقة على تأليهه؛ فإن الإله هو الذي تألهه القلوب بالمحبة والإجلال, والتعظيم والذل, والخضوع, والتعبد والعبادة, ولا تصلح كل هذه إلا له وحده لا شريك له, فهو الرب المتفرد بالخلق والرزق والتدبير, وهو الذي يحي ويميت, ويُعز ويذل, ويعطي ويمنع, وينفع ويضر, ويعافي ويبتلي, ويقبض ويبسط, وهو الذي رحمته وسعت كل شيء, وإحسانه عم جميع خلقه, بَرَّهم وفاجرهم، ناطقهم وبهيمهم, فهو الله القادر؛ الذي يجيب الدعوات, ويكشف الكربات, ويغيث اللهفات, ويفرج الكربات من غير حاجة إلى عباده, بل هو الغني الحميد.
فكيف -يا عباد الله- لا يحب العبد بكل قلبه وجوارحه من يديم عليه النعم, بعدد الأنفاس, فالله يدر عليه النعم, والصحة والعافية بعدد الأنفاس، ومع ذلك العبد يسيء ويقصر, فخير الله إليه نازل وشره إليه صاعد, يتحبب إليه ربه بالنعم, وهو غني عنه, والعبد يتبغض إليه بالمعاصي, وهو فقير إليه, فلا إله إلا الله.
فلا إله إلا الله أجود الأجودين, وأكرم الأكرمين, أعطى عبده قبل أن يسأله فوق ما يؤمله, يشكر القليل من العمل وينميه, ويغفر الكثير من الزلل ويمحوه, لا إله إلا الله: {يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} [الرحمن:٢٩] لا يشغله سمع عن سمع, ولا يضجر بكثرة المسائل, ولا يتبرم بإلحاح الملحين, بل يحب الملحين في الدعاء, قال تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً} [الأعراف:٥٥] وقال سبحانه: {وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ} [غافر:٦٠] فهو يحب أن يُسأل, ويغضب إذا لم يُسأل, فهو الذي ينزل تبارك وتعالى كل ليلة إلى السماء الدنيا حين يبقى ثلث الليل الآخر يقول: {من يدعوني فأستجيب له, من يسألني فأعطيه, من يستغفرني فأغفر له} فلك الحمد -يا رب العالمين- فقد جبلت قلوب المؤمنين على محبتك, اللهم اجعلنا مؤمنين بك يا رب العالمين.
عباد الله: كيف لا تحب القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو؟ ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟ ولا يجيب الدعوات, ويقيل العثرات, ويغفر الخطيئات, ويستر العورات, ويكشف الكربات, ويغيث اللهفات, وينيل الطلبات إلا هو سبحانه وتعالى؟ فهو أحق من ذكر, وأحق من شكر, وأحق من عبد, وأحق من حمد, وأرأف من ملك, وأعز من التُجئ إليه, ورب العزة والجلال أرحم من استرحم, أرحم بعبده من الوالدة بولدها, وهو الذي أخبر عنه رسوله صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربه تبارك وتعالى أنه قال: {يا عبادي! إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرماً فلا تظالموا, يا عبادي! كلكم ضال إلا من هديته فاستهدوني أهدكم, يا عبادي! كلكم جائع إلا من أطعمته فاستطعموني أطعمكم, يا عبادي! كلكم عارٍ إلا من كسوته فاستكسوني أكسكم, يا عبادي! إنكم تخطئون بالليل والنهار وأنا أغفر الذنوب جميعاً فاستغفروني أغفر لكم, يا عبادي! إنكم لن تبلغوا ضري فتضروني, ولن تبلغوا نفعي فتنفعوني, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم وإنسكم وجنكم كانوا على أتقى قلب رجل واحد منكم, ما زاد ذلك في ملكي شيئاً, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم كانوا على أفجر قلب رجل واحد منكم، ما نقص ذلك من ملكي شيئاً, يا عبادي! لو أن أولكم وآخركم، وإنسكم وجنكم قاموا في صعيد واحد فسألوني فأعطيت كل إنسان مسألته ما نقص ذلك مما عندي إلا كما ينقص المخيط إذا أدخل البحر, يا عبادي! إنما هي أعمالكم أحصيها لكم, ثم أوفيكم إياها, فمن وجد خيراً فليحمد الله, ومن وجد غير ذلك فلا يلومنّ إلا نفسه} رواه مسلم.
اللهم ارزقنا حق معرفتك, وأذقنا حلاوة الإيمان بك وبملائكتك وكتبك ورسلك, وباليوم الآخر وبالقدر خيره وشره.
وأستغفر الله العظيم لي ولكم ولجميع المسلمين من كل ذنب, فاستغفروه وتوبوا إليه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.