[خوف السلف من النار]
الحمد لله الواحد الأحد، الفرد الصمد، الذي لم يلد ولم يولد، ولم يكن له كفواً أحد، أحمده سبحانه وأشكره، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله بلغ رسالة ربه، ونصح لأمته، وأدى الأمانة، اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين وسلم تسليماً.
أما بعد:
فيا عباد الله: اتقوا الله حق التقوى، وراقبوه في السر والنجوى، واحذروا الأعمال الخبيثة، واحذروا المعاصي والسيئات؛ فإنها حطب جهنم، جهنم التي حذركم الله منها في كتابه الكريم، وحذركم منها رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، فالله عز وجل يقول: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] قرأ هذه الآية عمر بن عبد العزيز رحمه الله، -فما تجاوزها- قرأها في صلاة المغرب، فلما وصلها خنقته العبرة، فما تجاوزها رحمه الله حتى انتقل منها إلى سورة أخرى: {فَأَنْذَرْتُكُمْ نَاراً تَلَظَّى} [الليل:١٤] إنها نارٌ محرقةٌ كلما نضجت جلودهم، بدلهم الله جلوداً غيرها، إنها دار البوار، ودار البؤس، والشقاء والعذاب الشديد، دار من تعدى الحدود وارتكب المحرمات، دارٌ لا يسكنها إلا الأشرار من خلق الله؛ الذين عصوا رسله ولم يمتثلوا أمره ونهيه، إنها النار يا عباد الله.
النار منزل أهل الكفر كلهم باقها سبعةٌ مسودة الحفر
جهنم ولظى من بعدها حطمة ثم السعير وكل الهول في سقر
وتحت ذاك جحيمٌ ثم هاويةٌ تهوي بهم أبداً في حر مستَعر
فيها غلاظٌ شدادٌ من ملائكةٍ قلوبهم شدةً أقسى من الحجر
لهم مقامع للتعذيب مرصدةٌ وكل كسرٍ لديهم غير منجبر
سوداء مظلمةٌ شعثاء موحشةٌ دهماء محرقةٌ لوّاحة البشر
فيها العقارب والحيات قد جمعت جلودهم كالبغال الدهم والحمر
لها إذا ما غلت فورٌ يقلبهم ما بين مرتفعٍ منها ومنحدر
عباد الله: يروي لنا البزار عن أبي هريرة رضي الله عنه وأرضاه من حديث طويل قال فيه: {ثم أتى النبي صلى الله عليه وسلم على وهدٍ، فسمع صوتاً منكراً، فقال: يا جبريل! ما هذا الصوت؟ قال: هذا صوت جهنم تقول: يا رب! ائتني بأهلي وبما وعدتني، فقد كثرت سلاسلي وأغلالي وسعيري وحميمي وغسّاقي وغسليني، وقد بعد قعري واشتد حري، ائتني بما وعدتني، قال: لك كل مشركٍ ومشركة، وخبيثٍ وخبيثة، وكل جبار لا يؤمن بيوم الحساب} وعن عبد الرحمن بن مصعب: أن رجلاً كان على شط الفرات، فسمع تالياً يتلو القرآن، فلما وصل قول الله تعالى: {إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذَابِ جَهَنَّمَ خَالِدُونَ} [الزخرف:٧٤] تمايل الرجل، فلما قال التالي: {لا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ} [الزخرف:٧٥] سقط في الماء، فمات رحمة الله عليه، وعن لقمان الحنفي قال: {أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم على شابٍ ينادي في جوف الليل: واغوثاه من النار، واغوثاه من النار، واغوثاه من النار، فلما أصبح، قال: يا شاب! لقد أبكيت البارحة ملئاً من الملائكة كثيراً}.
إخواني اعتبروا بهذه الأحوال لسلفكم الصالح، عمر بن الخطاب رضي الله عنه وأرضاه كان يمر بالآية من ورده فتخنقه العبرة، فيعودونه ويحسبون أنه مريض، وهكذا أحوال السلف الذين يحضرون قلوبهم عند تلاوة كتاب الله، فأحضروا قلوبكم -يا عباد الله- عند تلاوة كتاب الله.
عباد الله: أما تشفقون من النار، أما تشفقون من نار جهنم، وما فيها من العذاب والأنكال، أما تحذرون سلاسلها والأغلال، واعجباً لمن يطأ سمعه ذكر السعير، وهو من عذابها بالله غير مستجير، فيا من تتعدّون الحدود! يا من تعصون الملك العلام! أفيكم جلدٌ على النار؟ أفيكم جلدٌ على النار؟ أفيكم جلدٌ على النار؟ نارٌ وقودها الناس والحجارة، أم قد رضيتم لأنفسكم بالخسارة والحرمان، فيا ويلاً لمن كانت النار له دار.
اللهم يا رب الأرباب! ويا مسبب الأسباب! ويا أرحم الراحمين! نسألك أن تعيذنا من النار، اللهم أعذنا من النار، واجعلنا ممن يكرم في روضات الجنات.
عباد الله: صلوا على رسول الله امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] ويقول صلى الله عليه وسلم: {من صلى عليَّ صلاة واحدةً، صلى الله عليه بها عشراً} اللهم صل وسلم على عبدك ورسولك محمد، وارض اللهم عن خلفائه الراشدين: أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر أصحاب رسولك أجمعين، وعن التابعين لهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنا معهم بعفوك وكرمك وإحسانك يا رب العالمين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم أذل الشرك والمشركين، اللهم دمر أعداء الإسلام وأعداء المسلمين، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان، اللهم افتح مسامع قلوبنا لقبول الحق يا رب العالمين، اللهم أصلحنا وأصلح لنا وأصلح بنا واجعلنا هداةً مهتدين، اللهم اجعلنا هداةً مهتدين.
اللهم أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم قيض لهم الجلساء الصالحين الناصحين، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة، اللهم ارزقهم البطانة الصالحة التي تدلهم على كل خير وتحذرهم من كل شر إنك على كل شيءٍ قدير، اللهم يا سامع الصوت! ويا سابق الفوت! ويا كاسي العظام لحماً بعد الموت! ردنا إليك رداً جميلاً، اللهم أصلح شباب الإسلام والمسلمين، اللهم اهد ضالهم، اللهم رد شاردهم، اللهم ثبت مهتديهم يا رب العالمين، اللهم أجرنا جميعاً من مضلات الفتن ما ظهر منها وما بطن، إنك على كل شيء قدير.
عباد الله: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا، واذكروا الله العظيم الجليل يذكركم، واشكروه على وافر نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.