[المعصية الأولى: الشرك بالله]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، اللهم إنا نعوذ بك من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلن تجد له ولياً مرشداًَ.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أرسله الله بشيراً ونذيراً، وداعياً إلى الله بإذنه وسراجاً منيراً، فبلغ الرسالة، وأدى الأمانة، ونصح الأمة، وجاهد في الله حق جهاده حتى أتاه اليقين، ترك أمته على بيضاء نقية ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك.
فأكثروا عليه من الصلاة والتسليم امتثالاً لأمر الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً} [الأحزاب:٥٦] اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وأصحابه، وعلى من تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد:
أيها الإخوة في الله: حياكم الله في بيت من بيوت الله، أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يجعل اجتماعنا هذا اجتماعاً مرحوماً، وأن يجعل تفرقنا من بعده تفرقاً معصوماً.
اللهم لا تجعل منا ولا فينا ولا من بيننا شقياً ولا محروماً يا رب العالمين.
إخواني في الله: إن أصدق الحديث كلام الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
إخواني في الله: الموضوع كما علمتم هو: (التحذير من آثار الذنوب والمعاصي).
الذنوب والمعاصي -أيها الإخوة في الله- لها تأثير على الأبدان، ولها تأثير على القلوب، ولها تأثير على الأرض في نقص البركات، وغور المياه، وحلول الأمراض المستعصية التي ذكرها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإذا حصلت الذنوب والمعاصي وانتشرت، فإنها تحل أمراض مستعصية تستعصي على الأطباء، فلا يوجد لها علاج، وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد حصل -والله- ما أخبر به رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فأول ذنب، بل أعظم ذنب عُصي الله به في أرضه هو الشرك يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، الشرك الذي من ارتكبه لا يغفر الله له ذنوبه إلا أن يتوب توبة نصوحاً، وإن مات من غير توبة فإنه مخلد في النار والعياذ بالله، يقول الله جل وعلا لرسوله صلى الله عليه وسلم: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [الزمر:٦٥].
والرسول صلى الله عليه وسلم يقول محذراً من الشرك: {من مات وهو يشرك بالله شيئاً دخل النار} نعوذ بالله من النار.
إذاً: يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! الله جل جلاله ما خلق الخلق إلا ليعبدوه، كما قال تعالى: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْأِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦].
ومعنى يعبدون أي: يوحدون، والعبادة هي: اسم جامع لكل ما يحبه الله ويرضاه من الأقوال والأعمال الظاهرة والباطنة، فمن صرف منها شيئاً لغير الله فهو مشرك كافر -والعياذ بالله نسأل الله العفو والعافية- مثل: دعاء الأموات، والتوسل بالأموات، والطواف بالقبور، والنذور لأهل القبور، وصب العسل والسمن على القبور، وطلب الحاجات، وطلب تفريج الكربات، وطلب شفاء الأمراض من أهل القبور، هذا شرك؛ لأنه صرف شيئاً من أنواع العبادة لا يقدر عليه إلا الله سبحانه وتعالى.
فالله هو الذي يشفي المرضى، ويقضي الحاجات، ويفرج الكربات، ويغيث اللهفات، ويحيل الشدائد والبليات.
لذلك يقول إبراهيم خليل الرحمن كما حكى الله عنه لما كسَّر الأصنام، ووثبوا عليه ليُحرقوه في النار: حسبي الله ونعم الوكيل، وفوض أمره لله الواحد القهار، وتبرأ من أولئك، قال الله جل وعلا مخبراً عنه: {فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلَّا رَبَّ الْعَالَمِينَ * الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ} [الشعراء:٧٧ - ٨١].
آمنا بالله وعليه توكلنا.
الله جل جلاله الذي قال: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣] سبحانه وبحمده!
ورسول الله صلى الله عليه وسلم ضرب لنا مثلاً في هذا، وكذلك الأنبياء والمرسلين، والله جل وعلا طلب من أممهم أن يقتدوا بهم {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب:٢١].
إخواني في الله: نحن ولله الحمد والمنة لا يوجد بين أظهرنا قبور يُطاف بها، ولا يُتوسل بها، ولا يُذبح لها، ولا يُنذر لها، إنما هذا يوجد إذا خرج الإنسان من هذه البلاد، نسأل الله أن يحرسها بعينه التي لا تنام، وأن يحفظها من كيد الأعداء، إنه على كل شيء قدير.
فإذا خرج إنسانٌ من هذه البلاد وجد أناساً يصلون في المسجد، ثم لم يلبثوا قليلاً إلا وقد انصرفوا يميناً أو شمالاً إلى بعض القبور، فتجدهم يطوفون بها، وقد يدعون أهلها ويتوسلون بهم، ويطلبون منهم الغوث والمدد إلى غير ذلك.
فهذا لا يوجد في بلادنا -نحمد الله ونشكره- لكن الذي يوجد في بلادنا يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم هو أيضاً خطر على العقيدة، وهو إتيان الكهان والعرافين والمنجمين والمشعوذين، وهذا فيه خطر على التوحيد؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدَّقه لم تُقبل له صلاة أربعين يوماً} أو كما قال صلى الله عليه وسلم.
وأيضاً يُروى عنه أنه قال: {من أتى كاهناً فسأله عن شيء فصدقه، فقد كفر بما أنزل على محمد} نسأل الله العفو والعافية والمعافاة الدائمة في الدين والدنيا والآخرة.
يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم! إن بعض الناس إذا تأخر عليه النسل أو الأولاد يذهب إلى أولئك -والعياذ بالله-.
يطلب منهم أن يُرزق أولاداً، وهذا بيد الله عزَّ وجلَّ، وليس بيد أحد من الناس، ولكن ماذا يقولون له نسأل الله العافية؟
يقولون له: إذا كنت تريد الأولاد فأتِ بشاة سوداء أو عنز سوداء، وتذبحها ولا تذكر اسم الله عليها، إنا لله وإنا عليه راجعون، اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا.
وقد والله فعل هذا أناس في بلاد التوحيد يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم، دجَّل عليهم أولئك المشعوذين، فذبحوا للجن والشياطين, والرسول صلى الله عليه وسلم أخبر عنهم وقال: {لعن الله من ذبح لغير الله}.
ثم إن ذبح لغير الله ومات على هذه الحال ولم يتب إلى الله، فإنه يكون مخلد في النار، لماذا؟ لأنه صرف نوعاً من أنواع العبادة لغير الله جل وعلا، وقد سمعنا قول الله: {قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ} [الأنعام:١٦٢ - ١٦٣].
أيضاً: هناك أناس إذا أصيبوا بأمراض نفسانية، والأمراض النفسانية يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم لا تحصل إلا لمن أعرض عن الله، وابتعد عن طاعة الله، وغفل عن ذكر الله، فإن الشياطين تشن عليه الغارة، تهجم عليه والعياذ بالله، فعند ذلك يضيق من نفسه، حتى من أهله وأولاده، وعند ذلك يبحث عمن يصف له العلاج، ولو أنه التجأ إلى الله عزَّ وجلَّ وتاب ورجع إلى الله لتاب الله عليه، وجعل له من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية؛ لأن الله لا يخلف الميعاد، قال سبحانه: {ومَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ} [الطلاق:٢ - ٣] ولكنه -والعياذ بالله- يلتجئ إلى أولئك الكهنة والعرافين والمنجمين والمشعوذين، فعند ذلك يُدَجلون عليه، وأول دجلهم أن يقول أحدهم: ائتني بطاقيتك أو فانيلتك، أو ما اسم أمك؟ وما اسم أبيك؟ ثم لماذا تسأل عن هذه الأشياء؟ إذا قال لك هذه الأشياء، فاعرف أنه من الكهنة الدجالين المشعوذين، ابتعد عنه يا عبد الله، تُب إلى الله، وارجع إلى الله، حتى إذا أتتك المنية فأنت تائب راجع منيب إلى الله عزَّ وجلَّ.
الرسول صلى الله عليه وسلم ترك أمته على المحجة بيضاء نقية، وأخبرهم بأدعية وأذكار، يقولونها في كل حال من أحوالهم، حتى إذا فقد الإنسان شيئاً من أمواله يقول: اللهم رب الضالة، رد الضالة، اللهم رب الضالة، رد الضالة.
ولكن هناك أناس غفلوا عن الرب جل جلاله، غفلوا عن الله سبحانه وتعالى، فبمجرد ما يفقد شيئاً من أمواله يذهب إلى أولئك المشعوذين الدجاجلة فيدجلون عليه، كما دجلوا على مَن سَلَفَ مِن قبله، أسأل الله أن يحفظنا وإياكم بحفظه، إنه على كل شيء قدير.
أيها الإخوة في الله: إن أعظم ذنب عُصي اللهُ به في الأرض هو الشرك والعياذ بالله، فالحذر الحذر يا أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الشرك وأهل الشرك.